التعريف والموقع:
ذات الجيش: بالفتح، ثم السّكون، ويقال أيضاً: أولات الجيش(1).
قال ابن زبالة: "ذات الجيش: لقب ثنيّة الحفيرة من طريق مكّة والمدينة"(2).
وقال الهجري: "هي شعبة على يمين الخارج إلى مكة بحذاء الحفيرة"(3). قال: "وصدر الحفيرة وما قبل من الصلصلين يدفع في بئر أبي عاصية، ثم يدفع في ذات الجيش، وما دبر منها، يدفع في البطحاء، ثم تدفع البطحاء من بين الجبلين في وادي العقيق، وذات الجيش تدفع في وادي أبي كبير، وهو فوق مسجد الحرم، والمعرس، وطرف أعظم الغربي يدفع في ذات الجيش، وطرفه الثاني يدفع في البطحاء"(4). قال السمهودي معلقاً على كلام الهجري: "وهو مقتض لأن تكون ذات الجيش بقرب الصلصلين شاميّ جبل أعظم فوق البيداء، والناس يعدون ذلك اليوم من البيداء لقربه"(5).
وفي معجم البلدان لياقوت: "وقال بعضهم: وأولاتُ الجيش: موضعٌ قرب المدينة، وهو وادٍ بين ذي الحليفة وتُرْبان وهو أحد منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، وأحدُ مراحله عند منصرفه من غزاة بني المصطلق"(6).
وقال المطري: "هي وسط البيداء، والبيداء هي التي إذا رحل الحجاج من ذي الحليفة استقبلوها مصعدين إلى جهة الغرب، وهي على الجادة"(7). قال السمهودي معلقاً على كلام المطري: "قلت: ويؤيده قول ياقوت: ذات الجيش موضع بعقيق المدينة، أراد بقربه، أو لأن سيلها يدفع فيه كما سيأتي"(8).
وقال أبو عبد الله محمد بن أحمد الأسدي في وصف الطريق بين مكة والمدينة: "إن من ذي الحليفة إلى الحفيرة ستة أميال، قال: وهي متعشا، وبها بئر طيبة وحوض، وعمر بن عبد العزيز هو الذي حفر البئر، وبها أبيات ومسجد". قال السمهودي معلقاً: "ومقتضاه أن يكون ثنية الحفيرة بعد البئر، فلعلها ثنية الجبل المسمى اليوم بمفرح، وهناك واد قبل وادي تربان يسمونه سهمان ينطبق عليه الوصف المذكور، وهو موافق لقول من قال: ذات الجيش واد بين ذي الحليفة، وتربان، فأطلق اسمها على الوادي التي هي فيه"(9).
ويؤكد غازي تمام من المعاصرين أنها المفرحات(10)، وقال الأستاذ غالي الشنقيطي: "وذات الجيش سهل فسيح بعد البيداء يشقه واد يسمى بهذا الاسم، وعن يمينه جبيلات حمر غير شاهقة غربي جسر تقاطع طريق جدة مع طريق مدينة الحجاج المتصل بطريق الهجرة السريع"(11). وقال البلادي: "ذات الجيش تلعة كبيرة تسيل من ثنايا مفرّحات، وتصب في العقيق من الغرب فوق ذي الحليفة، تعرف اليوم بالشلبيّة"(12).
المسافة بينها وبين العقيق:
اختلف المؤرخون في المسافة بين ذات الجيش وبين العقيق اختلافاً كبيراً، فذهب يحيى بن يحيى إلى أن المسافة بينهما ميلان(13)، وقال مطرف: ثلاثة أميال(14)، وقيل: خمسة، وقيل: سبعة(15) وروى مالك عن يحيى بن سعيد قصّة مرور ابن عمر رضي الله عنهما في الطريق قادماً من مكّة قال: (فغربت له الشّمس بذات الجيش، فصلّاها بالعقيق)، وبينهما ما يقارب السّبعة أميال، اقتداء برسول الله صلّى الله عليه وسلّم في السّفر، حين (غربت له الشّمس بسرف، وصلّى المغرب بمكّة، وبينهما سبعة أميال)(16). ونقل عن ابن القاسم أن المسافة بينهما عشرة أميال(17). وذكر عياض: أن ذات الجيش على بريد من المدينة(18).
تحديد الموقع اليوم:
ويظهر من استعراض أقوال المؤرخين السابقة أنها تتفق على أن ذات الجيش بعد ذي الحليفة، وأنها على الطريق الرئيس الذي كانت تسلكه القوافل، وهو ما يعرف بدرب الأنبياء. كما يظهر اختلافهم الكبير في موقعها من خلال اختلافهم الواسع في المسافة بينها وبين العقيق. ويُرجع العياشي هذا الاختلاف إلى أن كل واحد من المؤرخين يعنى جزءاً من ذات الجيش، أو حداً من حدودها، قال: "وهى المعروفة اليوم بالمفرحات"(19).
ويرجح الأستاذ عبد الله الشنقيطي أن ذات الجيش شعبة تقع بعد جبل أعظم بثلاثة كيلو مترات، وتبعد عن المسجد النبوي الشريف 20كم، وهي مقسم للماء، يتجه سيلها في جانب إلى الشرق ليصب في وادي أبي كبير، ثم العقيق، ويتجه في جانبه الآخر غرباً ليصب في تربان.
سبب التسمية:
وقد عزا بعضهم سبب التسمية إلى تشكيل جبيلاتها الثلاثة الطبيعي، ما يشبه مخيّماً للجيش، لكن الشّريف العيّاشي يميل إلى أن ّالسّبب يعود إلى نزول جيش النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فيه(20).
قلت: وقد يكون لموقعها المتاخم للبيداء التّي صحّ الخبر فيها أنّ جيشاً من أمّته صلّى الله عليه وسلّم يغزون هذا البيت، يخسف بهم في البيداء(21).
التاريخ والأحداث:
تردّد ذكر ذات الجيش في (الأدبيات العامّة)، ممّا يمكن أن نطلق عليه: الوثائق غير المباشرة للتّاريخ. قال عروة بن أذينة:
كاد الهوى يوم ذات الجيش يقتلني لمنزل لم يهج للشّوق من حقب(22)
وقال جعفر بن الزّبير بن العوّام:
لمن ربع بذات الجيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــش أمسى دارساً خلقا
كلفت بهم غداة غدوا ومرّت عيسهم حزقا
تنكّر بعد ساكنه فأمسى أهله فرقا
علونا ظاهر البيداء والمحزون من قلقا(23)
وقال آخر:
لليلى بذات الجيش دار عرفتها وأخرى بذات البين آياتها سطر
كأنّهما ملآن لم يتغيّرا. وقد مرّ للدّارين من بعدنا عصر(24)
وتكمن أهميّة هذا الموقع في كونه مذكوراً بالاسم في أحاديث الحمى كحدّ من الحدود الغربيّة الجنوبيّة لحمى الشّجر في المدينة المنورة، روى الطّبراني وإبن النّجار، وإبن زبالة وغيرهم عن كعب بن مالك رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حرّم الشّجر بالمدينة بريداً في بريد، وأرسلني فأعلمت على شرف ذات الجيش، وعلى شريب وعلى أشراف مخيض(25).
ثمّ إنّ ذات الجيش إحدى منازل رسول الله صلّى الله وعليه وسلّم إلى بدر(26)، كما أنّها إحدى مراحله عند منصرفه من غزاة بني المصطلق، هناك حيث حبس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن معه في ابتغاء عقد أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وليس معهم ماء فنزلت آية التّيمّم(27).
وذكر العيّاشي(28) أن أهل البوادي حول ذات الجيش يطلقون على أحد جبيلاتها الثلاثة اسم: ضلع النّوم تحديداً منهم للمكان الذي نامت فيه أسفل الجبيل، وممّا يزيد من صحّة هذه النّسبة أنّ ضلع النّوم هو الحدّ الفاصل بين البيداء من مشرقه وبين ذات الجيش من مغربه، لهذا شكّ ابن إسحاق حين روى حديث عائشة –رضي الله عنها- : (حتى إذا كنّا بالبيداء، أو بذات الجيش...)(29).
وقال الفيروز ابادي: "يقال: إنّ قبر نزار بن معدّ، وقبر أبيه ربيعة بن نزار بذات الجيش"(30).
(1) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (4 / 52).
(2) ابن زبالة، أخبار المدينة: (1 / 189).
(3) السمهودي، خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 206).
(4) السمهودي، وفاء الوفا: (1 / 82).
(5) السمهودي، خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 207).
(6) الحموي، معجم البلدان: (2 / 200).
(7) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 82).
(8) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 82).
(9) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 82).
(10) غازي تمام، رسائل في آثار المدينة: (1 / 93).
(11) غالي الشنقيطي، الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين: (1 / 250).
(12) محمد حسن شراب، المعالم الأثيرة في السنة والسيرة: (1 / 94).
(13) البكري، معجم ما استعجم في أسماء البلاد والمواضع: (2 / 410).
(14) البكري، معجم ما استعجم في أسماء البلاد والمواضع: (2 / 410).
(15) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (4 / 52).
(16) البكري، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: (2 / 410).
(17) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (4 / 52).
(18) العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر: (1 / 417).
(19) العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر: (1 / 417).
(20) العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر: (1 / 422).
(21) السمهودي، وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى: (4 / 36).
(22) الفيروز آبادي، المغانم المطابة: (2 / 217).
(23) الحموي، معجم البلدان: (2 / 201).
(24) الشنقيطي، الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين: (1 / 251).
(25) السمهودي، خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى: (1 / 197).
(26) الفيروز آبادي، المغانم المطابة: (2 / 217).
(27) الفيروز آبادي، المغانم المطابة: (2 / 217).
(28) العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر: (1 / 420).
(29) العياشي، المدينة بين الماضي والحاضر: (1 / 419).
(30) الفيروز آبادي، المغانم المطابة: (2 / 217).
روابط ذات صلة