الاسم:
الذي يظهر من كلام المؤرخين أن فَرْش مَلَل(1) والفُرَيش يطلقان على منطقة تحويهما جميعاً، وهذا ما أشار الحموي إليه عند تعريفه بفَرْش فبين أن الفَرْش بفتح أوله، وسكون ثانيه، وآخره شين معجمة، هو واد بين غَمِيسِ الْحَمَامِ ومَلَل، وفرش وصُخيرات الثّمام، وهذه كلها منازل نزلها رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، حين سار إلى بدر(2)، غير أن السمهودي كان أكثر وضوحاً فأشار إلى أن "فرش مَلَل" والفُرَيش مصغرة معروفان قرب مَلَل(3)، وقد جمعهما العباسي، تحت مسمى واحد فقال: فرش مَلَل والفُرَيش: معروفان قرب مَلَل(4)، وبهذا يتبين لنا أن هذه المسميات تشكّل مساحة واحدة متصلة، في كل موضع منها تقع هذه المسميات، وهي اليوم تسمى الفُرَيش، وكأنها منطقة تدخل فيها مَلَل وفَرْش، لكون الفُرَيش هو الاسم المسيطر، وهو منطقة إدارية تضم الجميع(5)، والذي يظهر أنها مسميات لمساحات جغرافية تضم (مَلَل والفَرْش والفُرَيش) تتداخل فيما بينها.
الموقع:
حدد موقعه الحموي فبين أنه واد بين غَمِيسِ الْحَمَامِ ومَلَل، وفَرْش وصُخيرات الثّمام(6)، ثم جاء السمهودي، ووافقه العباسي فذكرا أن فَرْش مَلَل والفُرَيش معروفان قرب مَلَل يفصل بينهما بطن وادٍ يقال له: مَثْعَرٌ، على اثنين وعشرين ميلاً من المدينة(7)، ولكن شراب أوضح موقعه وفق المعالم المعاصرة، فذكر بأنه على يمينك وأنت على الطريق من المدينة إلى مكة، عن طريق بدر قبل أن تهبط وادي الفُرَيش، وبين الفَرْش والفُرَيش بطن واد يقال له مشعر(8).
والفُرَيش اليوم مركز إداري، تابع لإمارة منطقة المدينة المنورة، يتبعه عدد من القرى والهجر والأمكنة، تمتد على مساحة تنتشر في دائرة يصل قطرها 30 كم تقريباً، وهو أوسع من مسمى الفُرَيش الوارد في المصادر، والمراجع، يحده من الشرق إمارة منطقة المدينة المنورة
ومن الشمال مركز المندسة على مسافة 30 كيلاً تقريباً، ومن الجنوب مركز الرغِيَّة (ويشمل: ريم، الشلايل، حضة) على مسافة 25 كيلاً تقريباً، وكذلك مركز الروحاء، ومن الجنوب الغربي مركز المُسَيْجِيد ومن الغرب مركز السديّرة(9).
وصفه ومآله:
وصف السمهودي الفُرَيش بأنه كان بهما منازل وعمائر، كان كثير بن العباس ينزل فيه(10)، ولكنها اليوم قد تحولت إلى مركز إداري، يمتاز بتنوع تضاريسه ما بين جبال، وسهول، وتلال، وهضاب، ووديان، وكثبان. ذات طبيعة غنية بالأشجار المتنوعة والنباتات المختلفة، وقد تزايدت أعداد السكان فيه، وشملتهم أهم الخدمات مثل الكهرباء والماء، والمدارس، والخدمات البلدية، ويتطلع الأهالي إلى العمل على استكمال المرافق الحكومية الأخرى(11).
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
إن الفُرَيش كمركز إداري شهد أحداثاً تاريخية عظيمة، نظراً لموقعها المميز على طريق المدينة مكة، فقد ذكر أن تُبَّعاً لما رحل عن المدينة بعد قتال أهلها، يُريد مكة، نزل مَلَل وقد أعيا ومل فسماها مَلَل(12)، وبعد الإسلام اشتهرت هذه المنطقة بأنها كلها منازل نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين سار إلى بدر(13)، كما مر منها النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة العشيرة(14)، وغزوة بدر الكبرى(15)، وغزوة بني لحيان(16)، وكذلك مر بها صلى الله عليه وسلم في عُمَره وحجته(17).
وفي العصور المتقدمة بقيت هذه المنطقة عنصراً مهماً في الأحداث التاريخية، ففي عام 963هـ، حدثت موقعة عظيمة في الفُرَيش بين بعض القبائل، ووالي المدينة الأمير مانع الحسيني، قتل فيها خلق كثير، أسماها العصامي قصّة الفُرَيش(18).
وفي العاشر من يناير عام 1919م قام فخري باشا والي المدينة بالذهاب للفُرَيش، وتسليم نفسه مع أركان حربه وكبار ضباطه إلى قوات الشريف عبدالله بن الحسين المعسكرة في الفُرَيش (بئر درويش)(19).
ومن الأحداث البارزة في عهد الدولة السعودية الثالثة، توقف فيه الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله عام 1345هـ، في طريقه لزيارة المدينة بعد تسليمها(20). لتبقى هذه المنطقة بموقعها المميز، عنصراً فاعلاً في رسم تاريخها وتاريخ المدينة المنورة.
(1) لعل ملازمة مسمى "ملل" لهذه المنطقة هو لشهرة هذا الاسم وارتباطه بحدث تاريخي قديم، وهو مرور تُبَّع بهذه المنطقة، قال ابن الكلبي: لما صدر تبّع عن المدينة نزل ملل وقد أعيا وملّ، فسماه ملل، وقيل لكثير: لم سمي بذلك؟ قال: لأن ساكنه ملّ المقام به، وقيل: سمي به لأن الماشي من المدينة لا يبلغه إلا بعد جهد وملل، فبقي اسم ملل هو المسيطر في كتابات المؤرخين، ولذلك يقول السمهودي بعد تعريفه بملل ويضاف إليه الفرش والفريش انظر السمهودي، علي بن عبد الله أبو الحسن (ت: 911هـ): وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى – 1419هـ (150/4).
(2) الحموي، ياقوت بن عبد الله (ت: 626هـ): معجم البلدان، دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995م، (250/4). وقال: بضم أوله، صخيرات الثمامة... كذا ضبطه أبو الحسن بن الفرات وقيده، وأكثرهم يقول: صخيرات الثمام، ورواه المغاربة صخيرات اليمام، بالياء آخر الحروف.
(3) السمهودي: علي بن عبد الله الحسيني (ت: 911هـ): خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى (مع زيادات من كتاب وفاء الوفاء)، دارسة وتحقيق: محمد الأمين محمود أحمد الجكيني، (د. م)، (د. ط)، طُبع على نفقة السيد حبيب محمود أحمد (697/2).
(4) العباسي، أحمد بن عبد الحميد (المتوفي في القرن العاشر الهجري): عمدة الأخبار في مدينة المختار صححه وحرر ألفاظه: محمد الطيّب الأنصاري وقام بتصحيحه: حمد الجاسم، توزيع المكتبة العِلميَّة - المدَينة المُنورّة الطبعة: الخامسة.
(5) شراب محمد بن محمد حسن: المعالم الأثيرة في السنة والسيرة، دار القلم، الدار الشامية - دمشق - بيروت الطبعة: الأولى – 1411هـ، ص279.
(6) الحموي: معجم البلدان، (250/4).
(7) السمهودي: وفاء الوفا، (127/4)، العباسي: عمدة الأخبار، ص391. قال ياقوت: مَثْعَرٌ: يروى بالغين والعين والفتح ثم السكون ثم الفتح، والعين مهملة، وآخره راء، ويحتمل أن يكون من الثعر وهو الثآليل لحجارته أو شيء شُبّه به، أو يكون من الثّعرور وهي رؤوس الطراثيث: واد من أودية القبلية وهو ماء لجهينة معروف. الحموي: معجم البلدان، (54/5).
(8) شراب: المعالم الأثيرة، ص217. هكذا قال: مشعر، والصحيح: مَثْعَرٌ كما تقدم.
(9) بحث قدمه الباحث عبد الله بن هذيل الرحيلي ماجستير / تربية إسلامية في عام 1443هـ/2021م، ولمراسلته على الإيميل War1430@hotmail.com عنوان البحث الفريش محطة القوافل الأولى من المدينة على طريق الأنبياء ماضيها - حاضرها - تضاريسها - بيئتها، ص22.
(10) السمهودي: وفاء الوفا، (127/4)،
(11) الباحث عبد الله الرحيلي: الفريش، ص23.
(12) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (1441/3)، العباسي: عمدة الأخبار، ص422.
(13) الحموي: معجم البلدان، (250/4).
(14) ابن هشام، عبد الملك (ت: 213): السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، الطبعة: الثانية، 1375هـ-1955م، (599/1).
(15) ابن هشام: السيرة النبوية، (613/1).
(16) ابن هشام: السيرة النبوية، (24/1).
(17) الواقدي، محمد بن عمر (ت: 207هـ): المغازي تحقيق: مارسدن جونس دار الأعلمي – بيروت الطبعة: الثالثة - 1409/1989، (575/2).
(18) العصامي: عبد الملك بن حسين: سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود - علي محمد معوض، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1419هـ - 1998م، (375/4).
(19) عزيز ضياء: حياتي مع الجوع والحب والحرب، التنوير للطباعة والنشر، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 2012م، (165/1).
(20) المعبدي، مبارك بن محمد الحربي: الرحلة الملكية، نقلاً عن صحيفة أم القرى، عدد110، بتاريخ 1345/7/17هـ.
روابط ذات صلة