سور المدينة الداخلي


الاسم:


أطلق عليه المؤرخون عدة أسماء وذلك تبعاً للمهتمين ببنائه أو تجديده، فمن أسمائه: السور الأول؛ لأنه أول سور بني للمدينة المنورة، أو السور الكبير، والسور الداخلي "الجواني"(1)، والسور السليماني(2) والسور العثماني(3)، وسور محمد علي(4)؛ لأنه قام بتجديده في عام (1220هـ/1805م)(5).


الموقع:


يحيط السور بالكتلة العمرانية المجاورة للمسجد النبوي الشريف، ويمتد من باب الجمعة "باب البقيع" في اتجاه الجنوب مشرفًا من خارجه على شارع الباب الصغير وبقيع الغرقد، ثم يمتد حتى يلاصق موقع قبر إسماعيل ابن جعفر(6) من الجهة الشرقية، وينتهي مساره في هذه الجهة ببرج كبير يعد أحد أبراج باب الوسط الذي بني بين ركن هذا السور من الغرب وسور البقيع من الشرق(7). وقد شهد السور تحولات كثيرة في تاريخه.


وصفه ومآله:


لم يتخذ السور شكلاً واحداً، وإنما اتخذ أشكالاً متعددة تبعاً لعملية التجديد والبناء التي شهدها، فكان السور الأول الذي بني عام 263هـ، مبيناً بالطوب واللبن، ثم تم هدمه(8)، وبني أساس السور من الحجر الدبش الأسود، ثم ارتفع عن سطح الأرض ببناء حجري(9)، أما سور ابن بويه فقد أسست جدرانه من الحجارة، ثم أكملت باللبن الطيني، أما أبوابه فكانت من الخشب القوي(10)، وله أربعة أبواب(11)، وأما عن بنائه الهندسي،  فكان عرضه يتراوح ما بين متر ونصف إلى مترين ونصف تقريبًا، ويزيد العرض بشكل كبير عند التقائه بالأبراج أو القلاع المرتبطة بعمارة هذا السور(12)، وأما الأجزاء العليا من السور فقد بنيت في الغالب من اللبن الذي صب على شكل قوالب بعد خلطه(13).

أما عن ارتفاع أجزائه فقد اختلفت فكانت تتراوح ما بين خمسة أمتار وثمانية أمتار، وفي بعض الأحيان يزيد وينقص(14)، كما يحتوي السور على العديد من الفتحات التي تتسع كلما ارتفع منسوبها، كما احتوى السور على العديد من الأبراج الحجرية المعلقة وبعضًا من المزاغل(15) التي أحاطت بالأجزاء الخارجية من الأبراج، للأشراف من خلالها على المنطقة خارج السور(16). وظل هذا السور محيطاً بالمدينة إلى أن  تمت إزالته بدءً من عام (1370هـ/1950م) في العهد السعودي؛ وذلك لاستتاب الأمن والأمان واتساع الرقعة العمرانية وزيادة الكثافة السكانية، ولفتح الشوارع(17).


الأحداث التاريخية المرتبطة به:


لم يكن للمدينة المنورة سورًا حقيقياً يحيط بها من جميع الجهات إلا في زمن إسحاق بن محمد الجعفري(18)، ولكن هذا السور لم يبق على حاله، إذ شهد تحولات كثيرة تمثلت بإعادة بنائه وتجديده، ففي الفترة الممتدة ما بين عامي (367-372هـ/977-982م) أعاد ابن بويه بناء السور على أنقاض الأول بعد أن تهدم(19)، ونظراً لتهدم بعض أجزائه  قام جمال الدين محمد بن أبي المنصور الأصفهاني(20) بترميمه وإصلاحه عام (540هـ/1145-1146م)(21)، وبعد مضي حوالي ثماني عشرة سنة قام نور الدين الشهيد محمود بن زنكي عام (558هـ/1162-1163م) بإجراء ترميم وعمارة للسور الأول(22)، وبعد  أكثر من مئة وتسعين عامًا، قام السلطان الملك الصالح بن الملك الناصر محمد بن قلاوون(23) عام (755هـ/1354م) بتجديد السور وإعادة ترميم واعمار ما تهدم منه(24)، وظل هذا السور على هذا التجديد ما يزيد عن مئة وخمسة وعشرين عامًا حتى قام السلطان قايتباي(25) عام (881هـ/1476م) بترميم السور وإجراء الإصلاحات لبعض أجزائه وأبراجه(26)، وبعد ثمانية وخمسين عامًا قام السلطان سليمان القانوني عام (939هـ/1532م) بأهم عملية ترميم وتجديد للسور وفق أفضل الطرق الهندسية(27)، ثم احتاج السور لبعض الترميم وذلك سنة (1077هـ/1666-1667م)، فأمر السلطان محمد خان الرابع(28) عام (1078هـ/1667م) بإجراء عمارة شبه شاملة للسور(29).

ثم قام السلطان عبدالحميد الأول(30) عام (1162هـ/1748م) بتجديد وإجراء ترميمات وإصلاحات لأجزاء السور العليا.

 وفي عام (1220هـ/1805م) قام السلطان محمود الثاني(31) بتكليف والي مصر محمد علي باشا بتجديد وعمارة للسور، تمثلت تلك العمارة بتجديد السور الأول مع عمل سور آخر يربط بين الأبراج والقلاع، كما قام بتجديد بإجراء تجديد لعمارة "باب سويقة" ومن ذلك التاريخ سمي باب سويقة بالباب المصري(32).

وفي عهد السلطان عبدالمجيد الأول(33) بين عامي (1265-1277هـ/1848-1860م)، صدر أمر بتجديد سور المدينة الأول، فتحول إلى الشكل البيضاوي غير المنتظم(34)، ثم خضع السور إلى عمارة جديدة في زمن السلطان عبدالعزيز بن محمود الثاني(35) عام (1285ه/1868م) تركزت أساسًا على عمارة السور الثاني(36).

وفي زمن السلطان عبدالحميد الثاني(37) في عام (1305هـ/1887م) أي بعد ما يزيد عن عشرين عاماً خضع السور الى ترميم بعض أجزائه وأبوابه العليا، وتعد هذه آخر عمارة حظي بها السور قبل هدمه(38).

وفي أثناء حصار المدينة عامي 1336 و 1337هـ / 1917-1918م، تعرض السور الى بعض الدمار(39)، إلى أن تمت إزالته في العهد السعودي(40).

 

 


(1) موسى علي : وصف المدينة، ضمن رسائل في تاريخ المدينة، تحقيق: حمد الجاسر، ص5.

(2) شعبان، أحمد محمد: أسوار المدينة المنورة في التاريخ، مجلة مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، ع12، 2004م،ص68..

(3) كعكي: عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن إبراهيم: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، الجزء الثالث تاريخ وعمارة الحصون والآطام، الأسوار والابواب، القلاع والأبراج"، ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ط1:  1427ه/2006م. ج3، مج2، ص408.

(4) محمد علي باشا: أحد ضباط الفرقة الألبانية، وُلد عام 1182هـ/ 1769م بمدينة قولة في مقدونيا، أصبح واليًا على مصر عام 1220هـ/ 1805م، تُوُفِّي عام 1265هـ/ 1849م. فريد فريد، محمد بك، البهجة التوفيقية في تاريخ مؤسس العائلة الخديوية، ط1، (مصر: المطبعة الأميرية، 1308هـ). ص 30.

(5) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص390.

(6) قبر إسماعيل بن جعفر: في الجهة الشرقية الجنوبية من حارة الأغوات وفي غرب مدفن آل البيت، ويبعد عن البقيع نحو 15 متر حافظ، علي: فصول من تاريخ المدينة المنورة، ،المدينة المنورة للطباعة والنشر، 1417-1996م)، ط3، ص 171.

(7) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص413.

(8) مصطفى، صالح لمعي: المدينة المنورة تطورها العمراني وتراثها المعماري، د.ط، (بيروت: دار النهضة العربية، 1981م)، ص14.

(9)  كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص410.

(10) الخياري: تاريخ معالم المدينة، ص142.

(11) المقدسي، رحلة المقدسي أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ص 99.

(12) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص411.

(14) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص411.

(15) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص411.

(16) المزاغل: فتحة ضيقة في سور المدينة، او القلعة او الحصن او البرج او البوابة تطلق منها الرماح والسهام وغيرها من المقذوفات على المهاجمين، وتستخدم في نفس الوقت منفذاً للتهوية والاضاءة والمراقبة، رزق، عاصم محمد، معجم المصطلحات العمارة والفنون الإسلامية، ط1، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 2000م)، ص 277.

(17) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص411.

(18) العباسي، أحمد بن عبد الحميد (ت القرن 10 هـ): عمدة الاخبار في مدينة المختار، تحقيق: محمد الطيب الانصاري، ط5، (د، م، أسعد الحسيني، د.ت).، هامش ص 343؛ الأنصاري، عبد القدوس(ت1403ه): آثار المدينة المنورة، المكتبة السلفية بالمدية المنورة الطبعة الثالثة 1393ه-1973م، ص174؛ مصطفى: المدينة المنورة تطورها العمراني، ص30.

(19) إسحاق بن محمد بن يوسف الجعفري:.وقد لقبه بعض المؤرخين خطأً "الجعدي"  من سلالة جعفر بن أبي طالب، كان أمير المدينة المنورة حتى عام 266ه/ 879-880م. الطبري محمد بن جرير (ت310ه): تاريخ الرسل والملوك، وصلة تاريخ الطبري دار التراث – بيروت الطبعة: الثانية - 1387 ه، ج9 ص552؛ عبد الغني، عارف أحمد: تاريخ أمراء المدينة المنورة 1ه-1417ه,د.ط, (دمشق: دار كنان للطباعة والتوزيع، د.ت)، ص251.

(20) الجوزي، جمال الدين أبو الفرج عبدالرحمن (ت 597ه): المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، و مصطفى عبدالقادر عطا، ط1،( بيروت: دار الكتب العلمية، 1412ه/1992م)،(14/291)؛خاشقجي، صدقه حسن، و النمر، محمد عبدالجليل: المدينة المنورة وأول بلدية في بلاد الإسلام، المدينة المنورة، بلدية المدينة المنورة، د.ت(1/77)..

(21) محمد بن علي بن أبي منصور الاصفهاني: الملقب جمال الدين المعروف بالجواد الأصفهاني، وزيز صاحب الموصل ، توفي في الموصل عام (559ه/1164م) ونقل إلى المدينة المنورة ودفن في رباط كان قد بناه لنفسه في البقيع. ابن خلكان، أبي العباس أحمد (ت681ه)، وفيات الأعيان، تحقيق: إحسان عباس،  دار صادر بيروت، ط1، 1977م/1397ه،(5/ 143-144).

(22) صبري أيوب (ت1290ه):  موسوعة مرآة الحرمين وجزيرة العرب، أشرف على ترجمتها : د. محمد حرب، دار الآفاق،ط1424ه،(3/16)؛ باشا، إبراهيم رفعت (ت 1353ه)، مرآة الحرمين، مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة ط1، 1344ه-1925م، (1/411)؛ وكعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص391-392؛ وشعبان:أسوار المدينة المنورة في التاريخ، ص62.

(23) العباسي: عمدة الاخبار في مدينة المختار، ص349.

(24) السلطان الملك الصالح بن الناصر قلاوون: ولد في القاهرة عام (738ه/1337م) من ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، وبويع عام 752ه/ 1351م، أستمر حكمه ثلاث سنين وثلاثة أشهر، توفي عام (761ه/ 1360م).  الزركلي، خير الدين، (ت1396هـ): الأعلام، دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة: الخامسة عشر - أيار / مايو 2002 م، ج3، ص195.

(25) العباسي: عمدة الاخبار، ص 349؛ السمهودي: وفاء الوفا، ج 2، ص771؛ إبراهيم: مرآة الحرمين، ج1، ص411؛ كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص394.

(26) السلطان قايتباي المحمودي الأشرفي الظاهري: سلطان الديار المصرية، من الملوك الجراكسة، ولد عام (815ه/1412م). الزركلي: الاعلام، ج5، ص188.

(27) رفعت: مرآة الحرمين، ج1، ص411؛ كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص394.

(28) الرومي، محمد بن خضر، التحفة اللطيفة في عمارة المسجد النبوي وسور المدينة الشريفة، ضمن رسائل في تاريخ المدينة، حمد الجاسر، د،ط، ( الرياض: اليمامة، د.ت)، ص 85-86؛ صبري، موسوعة مرآة الحرمين، ج3، ص51.

(29) محمد خان الرابع ابن السلطان إبراهيم خان: ولد عام 1051م/ وتولى الحكم عام 1058م/ وهو في السابعة من عمره، تم عزله عن الحكم عام 1687م/1099ه، بعد حكم دام أربعين سنة وخمسة اشهر، توفي عام 1104ه/1692م. فريد: تاريخ الدولة العلية العثمانية، ص189-200؛ آصاف: تاريخ سلاطين بني عثمان، ص89.

(30) صبري: موسوعة مرآة الحرمين، ج3، ص71-72؛ وكعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص395.

(31) عبدالحميد الأول: بن السلطان أحمد الثالث: ولد في إسطنبول عام 1725م/ 1137ه، تقلد الحكم من عام ( 1774-1789م / 1187-1203ه) كولن، صالح، سلاطين الدولة العثمانية، ترجمة: الدين، منى جمال، ط1، (القاهرة: دار النيل، 1435ه/2014م).، ص 250-255.

(32) محْمُود الثانِي: محمود بن عبدالحَمِيد الأول، وُلد عام 1199هـ/1785م، تولى الحكم عام 1223هـ/ 1808م، وظل على عرش السلطة 32 عامًا، توفي عام 1255هـ/1839م. أوزتونا، يلماز، تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان سلمان، إستانبول: مؤسسة فيصل للتمويل ط1، 1408هـ/1988م)، (1/664-668)

(33) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص 397.

(34) عبدالمجيد الأول: بن محمود الثاني: ولد عام 1238هـ/ 1823م، وتقلد الحكم عام 1255ه/ 1839م، ويُعَدُّ عصره عصر التنظيمات ، توفي عام 1277ه/1861م. كولن: سلاطين الدولة العثمانية، ص288، ص289، ص 295.

(35) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، 399.

(36) عبدالعزيز بن محمود الثاني: ولد في إسطنبول عام1245ه/1830م ، حصلت في عهده أزمة مالية وثورات داخلية، توفي عام1293ه/1876م.كولن: سلاطين الدولة العثمانية، ص95، ص296، ص297، ص301، ص 302.

(37) إبراهيم: مرآة الحرمين، ج1، ص413؛ وكعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2، ص399.

(38) عبدالحميد الثاني بن عبدالمجيد الأول: ولد في عام 1257ه/1842م، تولى الخلافة عام 1293ه/1876م، شهد عهده الإصلاحات الداخلية والخارجية في النواحي كافة، خلع عن الحكم 1326ه/ 1909م وتوفي سنة 1334ه/1915م،. أوزتونا: تاريخ الدولة العثمانية، مج3، ص 95؛ كولن: سلاطين الدولة العثمانية، ص ص 310-330.

(39) كعكي: معالم المدينة المنورة، ج3، مج2

(40) كعكي: معالم المدينة، ج3، مج2، ص 399-400.

كود لاظهار الخريطه

qrcode

روابط ذات صلة


صور المعلم

qrcode

معالم ذات صلة