الاسم:
سُمي ببَقِيع الغَرْقَد(1)؛ لأنه كان يَنبت فيه شجر الغرْقَد، فقُطع واتخذ هذا المكان مقبرة لأهل المدينة المنورة(2).
الموقع:
يقع بَقِيع الغَرْقَد شرق المدينة المنورة، وبالتحديد جنوب شرقي المسجد النبوي الشريف، وكان سابقاً خارج سور المدينة الأول (الداخلي) يُخرج له من باب الجمعة الذي سُمي أيضاً بباب البقيع، وفي السابق كان يفصله من ناحية الغرب عن المسجد النبوي حارة الأغوات، ومن بقية الجهات فقد كانت تحيطه البساتين(3).
أما اليوم فيمكن الوصول للمقبرة مباشرة عبر ساحة المسجد النبوي الشرقية فلا يفصل بين غرب البقيع والمسجد النبوي مناطق سكنية أو منشآت.
وصفه ومآله:
كان بَقِيع الغَرْقَد عبارة عن فضاء لا يتجاوز طوله 80 متراً وعرضه مثله كذلك، وشماله الغربي كان بقيع العمَّات -أي: عمات الرسول صلى الله عليه وسلم- وقد كانت مساحة بقيع العمَّات ما يَقرب من 3500 مترًا، وكان مفصولاً عن بَقِيع الغَرْقَد الكبير بزقاق سُمي زقاق العمَّات مساحته ما يقرب من 824 مترًا(4)، ثم أضيف للبقيع، وما زالت مساحته تزيد إلى أن أصبحت اليوم 175,600م، وقد رافق هذه الزيادات عمليات إصلاح وترميم خاصة في العهد السعودي.
واليوم لا تزال مقبرة بَقِيع الغَرْقَد تحظى بعناية فائقة من قِبل الحكومة السعودية، فأصبحت اليوم مُلاصقة للمسجد النبوي الشريف لا يحول بينهما شيء ومحاطة بسور كبير.
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
تبوأت مقبرة البقيع مكانةً وأهميةً دينية؛ نظراً لأهميتها فقد شهِدت إصلاحات كثيرة ما بين توسعات، وتوفير خدمات ومرافق تلبي احتياجات المقبرة، فكانت أول توسعة للبقيع في العهد الأموي؛ حيث أدخلوا حُش كوكب -موضع دفن عثمان رضي الله عنه- إلى بَقِيع الغَرْقَد وضموه لها، وبلغ طول البقيع في ذلك الزمن 150 مترًا وعرضه 100 متر(5)، وفي بعض العهود بدأ بناء الأضرحة والقِباب على القبور، ففي العهد العباسي بُنيت قبة عالية على قبر الحسن بن علي رضي الله عنه والقبور المجاورة له، وفي عهد الأيوبيين بُنيت قبة عالية على قبر عثمان بن عفان رضي الله عنه(6)، وفي العهد العثماني تم تسوير البقيع من جميع النواحي، وكتب على باب السور نقش يدل على أنه من صُنع العثمانيين، وله باب واحد في الجهة الغربية مقابل باب الجمعة(7)، وقد زاد بناء القباب في فترة الحكم العثماني كذلك فبالغ بعض السلاطين في بنائها وتزيينها(8)، وبعد أن دخلت المدينة المنورة تحت حكم الدولة السعودية الأولى (1220-1227هـ/1805-1812م)أزال السعوديون القباب عن القبور في البقيع وساووها بالأرض(9)، ثم عندما استعادت الدولة العثمانية المدينة المنورة من السعوديين (عام 1227هـ/1812م) عادت القباب على المقابر وتضاعفت عن السابق(10).
أما السعوديون فقد اهتموا بالبقيع فشهدت المقبرة الكثير من الإصلاحات والتوسعات، بعد أن تم إكمال إزالة القباب داخل البقيع، حتى أنه لم تكن هناك أي بقايا لبناء أو قِباب على القبور(11).
ففي عام (1373هـ/1953-1954م) ضُم بقيع العمات إلى البقيع الكبير، وضُم الزقاق الفاصل بينهما -زقاق العمات- وضُم للبقيع حش كوكب، فأصبح البقيع مكون من البقيع الكبير، وبقيع العمات، وحش كوكب، كما بنت الحكومة في نفس العام مظلة للعزاء، ومظلة لاستراحة الحفارين، وحفظ آلاتهم(12).
وفي عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- (1384-1395هـ/1964-1975م)(13) تمت توسعة البقيع وضُمت إليه بعض الأراضي المجاورة لها(14)، وفي عام (1385هـ/1965م) تم إنشاء بوابتين للبقيع من الجهة الشمالية ، فأصبحت لها أربع بوابات، وكان أول من عمل سور للبقيع هو الملك فيصل، فتم بناؤه بالخرسانة المُسلحة(15).
ثم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- (1402-1426هـ/1982-2005م)(16) جاءت التوسعة الكبرى للمسجد النبوي الشريف والساحات المحيطة به، حيث أمر رحمه الله عام 1410هـ/1989م بإجراء التوسعة، وأجري في هذه التوسعة الكثير من الإصلاحات للبقيع، منها: زيادة مساحته فبلغت مساحة البقيع 175,600، وإعادة بناء السور الخارجي فبلغ ارتفاعه ما يزيد عن 10 أمتار وسماكته أكثر من 50 سم، وغُطيت أساسات السور بحديد وخرسانة مسلحة وبالرخام والجرانيت والحديد، واستبدلت تربة المنطقة بتربة أخرى صالحة للدفن، وأعيد تنظيم البقيع من الداخل؛ فقسم إلى وحدات تتخللها دروب وممرات خرسانية مرصوفة بشكل جيد، وأنشئ مبنى تجهيز الموتى -الشرشورة-، ووفر مصلى للصلاة على الجنائز، ومكاتب للإدارة والمسؤولين وغرفاً للعاملين رجالاً ونساءً، بجانب إنشاء مواقف للسيارات الخاصة لنقل الموتى وسيارات الموظفين والمراجعين(17).
الملاحق:
(صورة رقم 1)
خريطة لمنطقة المدينة المنورة عام 1366هـ/1947م؛ يتضح فيها موقع بَقِيع الغَرْقَد بالنسبة للمدينة والمسجد النبوي.
المصدر: الهيئة المصرية العامة للمساحة عام 1947م؛ تم التواصل بتاريخ: 1442/7/17هـ / 1 مارس 2021م.
الصور:
(صورة رقم 2)
صورة للساحة الشرقية للمسجد النبوي الشريف؛ ومنها يمكن الوصول للبقيع.
تاريخ التصوير: 1443/3/27هـ / 2021/11/2م.
(صورة رقم 3)
صورة توضح المنحدر لتسهيل حركة الدخول والخروج من البقيع.
تاريخ التصوير: 27/3/1443هـ / 2/11/2021م.
(صورة رقم 4)
صورة لبوابة البقيع الرئيسية (الغربية).
تاريخ التصوير: 1443/3/27هـ / 2021/11/2م.
(صورة رقم 5)
صورة لبوابة مبنى التجهيز (الشرشورة).
تاريخ التصوير: 1443/3/27هـ / 2021/11/2م.
(صورة رقم 6)
صور للبقيع من الداخل؛ ويظهر فيها الطرق المرصوفة التي تتخللها لتسهيل العبور وتنظيمه.
تاريخ التصوير: 1443/3/27هـ / 2021/11/2م.
(1) البَقِيع من الأرض: هو المكان المتسع ولا يسمى بقيعاً إلا وفيه شجر، أما الغَرْقَد: فهو شجر عظام مُفرده غرْقَدَة، وهو كبار العوسج. ابن الأثير، مجد الدين (ت: 606هـ، 1210م)، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: أحمد الخراط، د. ط، (د. ن، د. ت)، ج1، ص146؛ ابن منظور، جمال الدين (ت: 711هـ/1311م)، لسان العرب، ط1، (بيروت: دار صادر، د. ت)، ج3، ص66؛ كبريت المدني، محمد كبريت الحسيني (ت: 1070هـ/1660م)، الجواهر الثمينة في محاسن المدينة، تحقيق: أحمد سعيد بن سلم، د.ط، (د. ن، 1417هـ/1997م)، ص266؛ الشنقيطي، الدر الثمين، ص125.
(2) السَّمْهُودي، نور الدين علي (ت: 911هـ/1505م)، وفاء الوفاء، د. ط، (مصر: مطبعة الآداب والمؤيد، 1326هـ)، ج2، ص265؛ المدني، الجواهر الثمينة، ص266.
(3) خريطة الهيئة المصرية العامة للمساحة عام 1947م. تم التواصل بتاريخ: 1442/7/17هـ / 1 مارس 2021م. انظر: صورة رقم (1)؛ بيركهارت، جون لويس (ت: 1232هـ/1817م)، رحلات إلى شبه الجزيرة العربية، ترجمة: هتاف عبدالله، ط1، (بيروت: الانتشار العربي، 2005م)، ص301؛ بيرتون، رتشارد (ت: 1308هـ/1890م)، رحلة بيرتون إلى مصر والحجاز، ترجمة: عبدالرحمن الشيخ، د. ط، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م)، ج2، ص165؛ الشنقيطي، محمد غالي (ت: 1409هـ/1988م)، الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، د. ط، (قطر: مطابع الدوحة الحديثة، د. ت)، ص125.
(4) حافظ، علي (ت: 1407هـ/1987م)، فصول من تاريخ المدينة المنورة، ط3، (جدة: شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، 1417هـ/1996م)، ص170؛ والأميني، محمد أمين، بَقِيع الغَرْقَد في دراسة شاملة، ط1، (طهران: دار مشعر، 1428هـ)، ص35.
(5) ابن النجار، محمد بن محمود (ت: 643هـ/1245م)، أخبار مدينة الرسول المعروف بالدرة الثمينة، تحقيق: صالح محمد جمال، ط3، (مكة المكرمة: مكتبة الثقافة، 1401هـ/1981م)، ص156؛ السمهودي، وفاء الوفاء، ج2، ص99؛ كعكي، عبدالعزيز بن عبدالرحمن، معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ط1، (د. ن، 1436هـ/2015م)، ج9، مج4، ص276.
(6) ابن جُبَيْر، محمد بن أحمد (ت: 614هـ/1217م)، رحلة ابن جُبَيْر، د. ط، (لبنان: دار الكتاب اللبناني، د. ت)، ص174؛ المطري، محمد بن أحمد (ت: 741هـ/1340م)، التعريف بما آنست الهجرة من معالم دار الهجرة، د. ط، (المدينة المنورة: المكتبة العلمية، 1402هـ)، ص43؛ البكري، محمد أنور؛ وطه، حاتم عمر، بَقِيع الغَرْقَد، ط1، (المدينة المنورة: مكتبة الحلبي، 1424هـ/2004م)، ص24.
(7) عبدالقدوس الأنصاري، آثار المدينة، ص175؛ الحصين، محمد بن عبدالرحمن، النمط العمراني التقليدي للمدينة المنورة، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، (1412هـ/1992م) م10، ع1، ص21.
(8) جلبي، الرحلة الحجازية، ص53-54، 58، 61، 66.
(9) كبريت المدني، الجواهر الثمينة، ص281؛ البكري؛ وطه، بَقِيع الغَرْقَد، ص25.
(10) بدر، عبدالباسط، التاريخ الشامل للمدينة المنورة، ط1، (د. ن، 1414هـ/1993م)، ج3، ص298.
(11) هيكل، محمد حسين (ت: 1376هـ/1956م)، في منزل الوحي، د. ط، (القاهرة: مؤسسة هنداوي، د. ت)، ص440-441.
(12) علي حافظ، فصول من تاريخ المدينة، ص170؛ كعكي، معالم المدينة، ج9، مج4، ص55-56.
(13) فيصل بن عبدالعزيز: ثاني أبناء الملك عبدالعزيز آل سعود، وُلد عام 1324هـ/1606م في الرياض، تَوَلَّى الحكم عام 1384هـ/1964م، تُوُفِّي عام 1395هـ/1975م. حمزة، فؤاد (ت: 1372هـ/1952م)، البلاد العربية السعودية، د. ط، (مكة المكرمة: مطبعة أم القرى، 1355هـ)، ص50-51؛ وهذلول، تاريخ ملوك آل سعود، ج2، ص224، 232، 326، 352.
(14) كعكي، معالم المدينة، ج9، مج4، ص56.
(15) علي حافظ، فصول من تاريخ المدينة، ص170؛ بدر، التاريخ الشامل، ج3، ص298؛ وكعكي، معالم المدينة، ج9، مج4، ص55-56.
(16) فهد بن عبدالعزيز: وُلد في الرياض عام 1340هـ/1921م، تولى الحكم عام 1402هـ/1982م، توفي عام 1426هـ/2005م. أم القرى، عدد 1496، 26 ربيع الثاني 1373هـ/1يناير 1954م، ص1؛ السماري، فهد بن عبدالله؛ و الجهيمي، ناصر بن محمد، (1422هـ). المملكة العربية السعودية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز. دارة الملك عبدالعزيز بمناسبة مرور عشرين عاماً على تولي خادم الحرمين الشريفين، تسلسل الإصدار 113، ص9، 13-14، 17، 24.
(17) البكري؛ وطه، بَقِيع الغَرْقَد، ص25؛ كعكي، معالم المدينة، ج9، مج4، ص58-59.
روابط ذات صلة