الاسم:
ثنية الوداع: -بفتح الواو- وهو اسم من التوديع عند الرحيل وهي ثنية(1) مشرفة على المدينة، يطؤها من يريد مكة، وقيل: من يريد الشام(2)، ويطلق عليها ثنية الركب أو السبق(3).
وقد اختلف في سبب تسميتها بالوداع على أقوال:
الأول: قيل: سميت بذلك نسبة إلى التعشير، وهو أن يقف من يريد الدخول إلى المدينة عند هذه الثنية، ويعشر قبل أن يدخلها، أي ينهق مثل الحمار، وإن لم يفعل ذلك أصابته حمى المدينة، وربما قتلته(4).
الثاني: سميت بذلك بسبب توديع الصحابة للنساء اللاتي كانوا ينكحوهن نكاح المتعة وكانت تسمى قبل ذلك ثنية الرِّكَابِ(5).
الثالث: سميت بذلك؛ لأن عندها يُودع المسافرون، ويُستقبل القادمون، وهو اسم جاهلي قديم(6)، وهذه الأسباب كلها تفيد أنها موضع للتوديع.
الموقع:
لا خلاف بين المؤرخين في وجود عدد من الثنايا داخل المدينة المنورة حولها، ولهذه الثنايا أسماء تخصها، منها:
ثنية عَثْعَثَ، قرب جبل سُليع، وثنية الْحَوْضِ، على العقيق، وثنية الشَّرِيدِ، الواقعة بين جبل عير والفراء(7).
ولكن الخلاف القائم بين المؤرخين في الثنية التي يطلق عليها اسم: (الوداع)، فبعضهم اعتبر أنها الثنية المشهورة المشرفة على المدينة والتي يطؤها من يريد مكة، وهي معروفة في الجاهلية(8).
وذهب آخرون إلى أنها من ناحية الشّام لا يراها القادم من مكّة إلى المدينة، ولا يمرّ بها إلّا إذا توجّه إلى الشّام(9).
في حين ذهب آخر إلى أن ثنية الوداع اسم يطلق على الثنية الغربية، وعلى الثنية الشمالية، إلا أن شهرة الثنية الغربية أكثر(10).
ولعل تحديد السمهودي بأنها في شامي المدينة، هو ما يمكن ترجيحه لكونه من مؤرخي المدينة، وممن أمعن في دراسة هذه المسألة، فقد حددها بأنها في شامي المدينة بين مسجد الراية الذي على ذباب ومشهد النفس الزكية، يمر فيها المار
بين صدين مرتفعين قرب سلع(11).
وقد وافقه في تحديده الخياري(12) والأنصاري(13)، وقد حددت حديثاً بأنها كانت في الزاوية بين شارع سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه و بين طريق سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويشرف من الجهة الجنوبية على شارع المناخة، بينما يشرف من الجهة الشمالية على بعض المباني والمنشآت الحديثة، أما من الجهة الشرقية فيشرف الجبل على شارع عثمان بن عفان كما يشرف من الجهة الغربية على طريق أبي بكر الصديق. ويبعد عن المسجد النبوي الشريف بمقدار ألف و مئة متر تقريباً(14).
وصفه ومآله:
من أصغر جبال المدينة، لا يزيد ارتفاعه عن خمسة أمتار، وهو على شكل مستدير يبلغ قطره مقدار خمسين متر تقريباً، ويتكون هذا الجبل من الصخور البازلتية الصلبة والتي يغلب على لونها اللون الأحمر الداكن والأسود في بعض الأحيان، وهو لا يحتوي على أية تكوينات أو بروزات صخرية. كما لا يحتوي على أية تجاويف أو فجوات صخرية أو مائية نظرا لضياع وطمس كافة معالمه ببناء مسجد ثنية الوداع في أعلاه.
ومنذ سنة 1406هـ، أزيلت الثنية بالكامل، وذلك بهدف توسعة الميدان و امتداد مخرج نفق المناخة(15).
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
ارتبط بهذه الثنية أحداث تاريخية مهمة، فهي كانت قبل الهجرة من المواضع التي روّج اليهود فيها اعتقاد أن كثرة الموتى في يثرب آنذاك إنما لدخولهم إلى المدينة إما من غير ثنية الوداع أو عدم تعشيرهم عليها(16)، وبعد الهجرة شهدت هذه الثنية أحداثاً مهمة، منها أنها كانت ملتقى الصحابة مع النساء اللاتي استمتعنا بهن إلى أن حرمت المتعة فودعناهن عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل إلا ثنية الركاب(17)، كما وكانت موضع توديع الجيوش المتجهة للشام، ففي غزوة تبوك خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الموضع(18) وفي سرية مؤتة خرج النبي صلى الله عليه وسلم مشيعاً لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم، وعسكروا بالجرف(19)، حتى إنها كانت ملتقى العائدين من الغزو ففي البخاري عن السائب بن يزيد قال: أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقّى النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ثنية الوداع مقدمه من غزوة تبوك(20).
وأما بعد هذه الأحداث، فلم نجد شيء عن هذه الثنية ربما لانتهاء دورها في توديع أهل المدينة.
(1) الثنية هي الطريق في الجبل، كالعقبة فيه، وقيل: هي الطّريق العالي فيه، وقيل: أعلى المسيل في رأسه ابن منظور محمد بن مكرم (711هـ): لسان العرب دار صادر - بيروت الطبعة: الثالثة - 1414هـ، (124/14).
(2) الحموي شهاب الدين ياقوت (ت: 626هـ): معجم البلدان دار صادر، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1995م، (86/2)، الفيروزابادي، مجد الدين أبي الطاهر محمد (ت: 817هـ) المغانم المطابة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1439هـ-2018م، (886/3).
(3) العياشي، إبراهيم علي (ت: 1400هـ/1980م): المدينة بين الماضي والحاضر، د. ط، (د. ن، 1392هـ/1972م)، ص95.
(4) ابن شبة عمر (ت: 262هـ): تاريخ المدينة، حققه: فهيم محمد شلتوت طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد – جدة 1399هـ (269/1)، السمهودي، علي بن عبد الله أبو الحسن (ت: 911هـ): وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى 1419هـ، (53/1).
(5) الطبراني سليمان بن أحمد (ت: 360هـ): المعجم الأوسط، تحقيق طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني دار الحرمين – القاهرة، (287/1)، السمهودي: وفاء الوفاء، (43/4)، العياشي، إبراهيم علي (ت: 1400هـ/1980م): المدينة بين الماضي والحاضر، د. ط، (د. ن، 1392هـ/1972م)، ص96.
(6) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (886/3)، إدريس، عبد الله بن عبد العزيز، مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ص160.
(7) السمهودي: علي بن عبد الله، (ت: 911هـ): خلاصة الوفاء بأخبار دار المصطفى (مع زيادات من كتاب وفاء الوفاء)، دارسة وتحقيق: محمد الأمين محمود أحمد الجكيني، (د. م)، (د. ط)، طُبع على نفقة السيد حبيب محمود أحمد (575/2).
(8) الحموي، ياقوت بن عبد الله (ت: 626هـ): معجم البلدان، دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995، (86/5).
(9) ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت: 751هـ): زاد المعاد في هدي خير العباد مؤسسة الرسالة، بيروت - مكتبة المنار الإسلامية، الكويت، الطبعة: السابعة والعشرون، 1415هـ/1994م، (482/3)، السمهودي: وفاء الوفاء (44/4).
(10) الفيروز آبادي، المغانم المطابة، (887/2).
(11) السمهودي: وفاء الوفاء، (44/4).
(12) الخياري، أحمد ياسين (ت: 1380هـ): تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا، تعليق عبيد الله محمد أمين كردي، دار العلم للطباعة والعلم، ط3، 1412هـ-1991م، ص217.
(13) الأنصاري، عبد القدوس (ت: 1403هـ): آثار المدينة المنورة، المكتبة السلفية بالمدية المنورة الطبعة الثالثة 1393هـ-1973، ص159.
(14) كعكي عبد العزيز: معالم المدينة بين العمارة والتاريخ، المعالم الطبيعية الجبال، دار ومكتبة الهلال، (283-1/284).
(15) كعكي: معالم المدينة، (285-1/286).
(16) ابن شبة: تاريخ المدينة (269/1).
(17) الطبراني: المعجم الأوسط (278/1).
(18) ابن هشام: السيرة، تحقيق مجدي السيد، دار الصحابة للتراث، طنطا، ط1، 1416هـ/1995م، (519/2).
(19) ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت: 230هـ/845)، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عطا، ط2، ج5، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1418هـ/1997م)، (128/2).
(20) البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى 8/6، حديث رقم (4426).
روابط ذات صلة