الاسم:
قباء هو بضم القاف ممدود مذكر مصروف، هذا هو الصحيح الذي عليه المحققون والأكثرون، وفيه لغة أخرى: أنه مؤنث غير مصروف، وأخرى أنه مقصور (1).
وهو اسم للمنطقة التي أقيم فيها المسجد، ومنها اشتق اسمه، وقباء في الأصل اسم لبئر عرفت به هذه المنطقة(2)، ومسجد قباء هو أوّل مسجد بني في الإسلام، خطّه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بعصاه؛ يوم الاثنين؛ أوّل يوم من أيام حلوله -صلّى الله عليه وسلّم- دار هجرته(3).
الموقع:
يقع هذا المسجد بقرية قباء في الجنوب الغربي من المدينة(4)، على بعد ميلين من المدينة على يسار القاصد مكة(5) وهي اليوم إحدى أحياء المدينة المنورة.
وصفه ومآله:
كان المسجد لما أسسه النبي صلى الله عليه وسلم على هيئة العريش؛ سقفه من الجريد تحمله؛ سواري: (أساطين) من جذوع النّخل؛ وجدرانه من الحجارة الغفل (الغشيمة: غير المنحوتة)؛ جيء بها كما هي من الحرّة الجنوبية المجاورة(6)، ثم أعاد بناءه عمر بن عبد العزيز فبناه بالحجارة المنقوشة المطابقة(7)، ووسّعه، وأقام فيه الأساطين من الحجارة بينها عواميد الحديد والرصاص، ونقشه بالفسيفساء، وعمل له منارة، وسقفه بالساج، وجعله أروقة، وفي وسطه رحبة(8)، وكان طول مسجد قباء وعرضه سواء، وهو ست وستون ذراعا، وطول ذرعه في السماء تسعة عشر ذراعا، وطول رحبته التي في جوفه- يعني صحنه- خمسون ذراعا، وعرضها ستة وعشرون ذراعا(9)، ثم شهد هذا المسجد عمليات تجديد وإعادة بناء لبعض أجزائه(10).
ولكن عمليات البناء والتجديد الأهم كانت في العهد السعودي، ففي عام 1388 هجرية أمر الملك فيصل رحمه الله بإعادة بناء المسجد، وتوسعته من جهته الشمالية، وإنشاء المزيد من المرافق والخدمات الجديدة، مع الحفاظ على تصميمه المعماريّ القديم؛ فبلغت مساحته 1600 متراً مربعاً(11).
ثم جاءت التوسعة الكبرى والشاملة لمسجد قباء في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله حيث تضاعفت مساحته أضعافاً كثيرة، ومُدَّت من جهاته الأربع، مع الحفاظ على موقع المسجد كما كان عليه في العهد النبويّ(12)، فبلغت مساحته الكلية مع المرافق والخدمات 13500 م٢ ثلاثة عشر ألفاً و خمس مئة متر مربع؛ منها 5035 م٢ للمصلى وحده؛ وصار للمسجد أربع مآذن؛ ارتفاع كل واحدة منها 47 متراً، وفيه ستّ قباب كبيرة ؛ قطر الواحدة منها 12 متراً، و56 قبّة صغيرة؛ قطر كل واحدة ستة أمتار؛ كلها قد ازدانت بالنّقوش والزّخارف البديعة، وكسيت أرضه بالرّخام، وزوّدت ساحته المكشوفة بمظلّة تعمل بمحرك كهربائي عند الّلزوم، ومجموعة تبريد متطورة موزّعة على أنحائه، ومرافق كثيرة؛ منها: مساكن للأئمّة والمؤذّنين، وسوق لخدمة الزائرين، ومجموعة من دورات المياه، وقد أحيط المسجد بساحات وسط حدائق من نخيل تسرّ النّاظرين. (13)
وفي عام 1445هـ أطلق مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله لتوسعة مسجد قباء وتطوير المنطقة المحيطة به، وتقدر مساحة التطوير 50 ألف متر مربع لاستيعاب 66 ألف مصلي، يرتكز المشروع على ربط مسجد قباء الحالي بساحات مظللة من الجهات الأربعة حوله متصلة وظيفياً وفراغياً وبصرياً بمصليات مستقلة غير ملاصقة بنائياً لمبنى المسجد الحالي مع توفير كافة الخدمات اللازمة والتابعة للمسجد. كما سيتم رفع كفاءة مبنى المسجد القائم حالياً بمنظومة الخدمات المصاحبة له وتحسين شبكة الطرق والبنية التحتية المحيطة لرفع كفاءة التفويج وتسهيل الوصول للمسجد وإيجاد حلول جذرية للزحام وتعزيز أمن وسلامة المصلين، إضافة إلى تطوير وإحياء عدد يسير من جملة المواقع والآثار النبوية ضمن نطاق المسجد وساحاته، وتطوير وإحياء المواقع التاريخية المحيطة به لتشمل (57) موقعاً تغطي العديد من الآبار والمزارع والبساتين وتربط بثلاثة مسارات نبوية(14).
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
هو أول موضع ركع فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأول مسجد أسسه(15)، حيث أقامه في مربد لكلثوم بن الهِدْم، كان قد أوفقه مصلّى، فقام النبّي -صلى الله عليه وسلم- من فوره إلى المصلّى شمال بيت كلثوم، فخطّ حدوده بعصاه، وأمر بحفر أساسه، وشرع مع أصحابه في وضع لبناته الأولى، ونقل أحجاره من الحرّة المجاورة(16)، وقد شهد المسجد تحويل القبلة حيث قَدِم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مسجد قباء؛ فقدّم جدار المسجد إلى موضعه اليوم؛ وأسسه، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل يؤمّ بي البيت، ونقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحجارة لبنائه(17)، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على القدوم إلى مسجد قباء والصلاة فيه كل يوم سبت، راكباً وماشياً(18)، ومبشراً كل من فعل ذلك من أمته بنيل أجرة عمرة(19)، فكانت هذه الأحداث التاريخية، هي التي أعطت لهذا المسجد مكانته وأهميته، فحرص المسلمون بعد ذلك على العناية به، وعمارته، فكانت أول توسعة له في عهد الوليد بن عبد الملك، عن طريق واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز(20)، وفي سنة: (555هـ) أعاد الجواد الأصفهاني ترميم المسجد وصيانته صيانة شاملة دونما توسعة أو تغيير في معالم عمارته السابقة(21)، وفي سنة: (833هـ) انهارت مئذنة المسجد، فأمر الأشرف قايتباي بنقضها وإعادة بنائها؛ فرفعها بزيادة سبعة أمتار عمّا كانت عليه؛ فصار ارتفاعها واحداً وثلاثين متراً فوق الأرض(22)، وفي الفترة ما بين: (1174 إلى 1203هـ) أعاد السّلطان عبد الحميد الأول تجديد المسجد، ثم قام السلطان عبد المجيد بإعادة طلائه وترميمه(23)، وفي العهد السعودي شهد عمليتي بناء وتجديد الأولى في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله، والثانية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله، ويشهد الآن أكبر توسعة في تاريخه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله منذ تأسيسه إلى وقتنا الحاضر.
(1) النووي، يحيى بن شرف (ت 676 هـ): المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج:، دار إحياء التراث العربي - بيروت الطبعة: الثانية، (4/ 36).
(2) الفيروز آبادي، مجد الدين أبي الطاهر محمد (ت: 817هـ): المغانم المطابة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1439هـ-2018م، (3/1286)
(3) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (2/633).
(4) عبدالغني، محمد إلياس، المساجد الأثرية في المدينة النبويَّة، ط2، (المدينة المنورة: مطابع الرشيد، 1419هـ/1999م)، ص25.
(5) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (3/1287).
(6) الشنقيطي، محمد غالي (ت: 1409هـ/1988م)، الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، د. ط، (قطر: مطابع الدوحة الحديثة، د.ت)، ص117.
(7) الفيروز آبادي، المغانم المطابة (2/633).
(8) السمهودي، علي بن عبد الله أبو الحسن (ت: 911هـ): وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الطبعة الأولى 1422هـ/2002م (3/155).
(9) ابن شبة عمر (ت: 262هـ): تاريخ المدينة، حققه: فهيم محمد شلتوت طبع على نفقة: السيد حبيب محمود أحمد – جدة 1399هـ (1/57)، السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (3/156).
(10) السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (3/155-158).
(11) الشنقيطي: الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين 1/121.
(12) حافظ: علي: فصول من تاريخ المدينة المنورة، شركة المدينة المنورة، جدة، ط3، 1417هـ/1996م ، ص411.
(13) عبد الغني: المساجد الأثرية في المدينة النبوية 1/29.
(14) موقع هيئة تطوير منطقة المدينة المنورة: https://mda.gov.sa/Projects/View/1.
(15) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (3/1287).
(16) السمهودي: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 1/138.
(17) ابن سعد، محمد (المتوفى: 230هـ): الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410هـ-1990م (1/244).
(18) البخاري، صحيح البخاري 2/61 حديث رقم (1193)، مسلم، صحيح مسلم 1/1016 حديث رقم (1399).
(19) ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني (ت: 273هـ): سنن ابن ماجه تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي، (1/453)، حديث رقم (1412).
(20) ابن النجار محب الدين (ت: 643هـ): الدرة الثمينة، تحقيق حسين محمد علي شكري، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم ص364.
(21) نجيب عبدالله سالم: تاريخ المساجد الشهيرة ص61.
(22) الوكيل، محمد السيد: المدينة المنورة معالم وحضارة، دار المجتمع للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى، 1409هـ - 1988م، ص30.
(23) تاريخ المساجد الشهيرة ص62.
روابط ذات صلة