مدرسة الشفاء


مدرسة الشفاء


الموقع الجغرافي:
تقع مدرسة الشفاء في شمال المدينة المنورة جنوب
(1) المسجد النبوي(2) في حارة ذروان في منطقة الشونة تحديدًا(3).


التسمية:


يغلب على أسماء مدارس المدينة أن تسمى باسم منشئيها إلا أن مدرسة الشفاء انفردت عن بقية المدارس بالتسمية، فقد سُميت بالشفاء بسبب مرض واقفها، حيثُ نذر -إن شفاه الله -يؤسس مدرسة بالمدينة المنورة، وبعد أن شُفي أرسل الأموال اللازمة إلى المدينة المنورة؛ لإنشاء المدرسة(4).    


التأسيس:


قام بتأسيس مدرسة الشفاء أحد علماء الدولة العثمانية فيض الله أفندي، الذي ارتقى مرتين إلى منصب مقام شيخ الإسلام، عُرف عنهُ حبهُ للخير والإنفاق في سبيل الله فقد كان له العديد من الأوقاف والمبرات الخيرية في المدينة وخارجها من مساجد ومدارس وغيرهما(5).


ومن ضمن المدارس التي أسهها مدرسة الشفاء، وكان ذلك عام 1112هـ/1700م(6) بعد أن شفاهُ الله من مرضه(7) أرسل الأموال اللازمة لشراء الأراضي وإقامة مبنى المدرسة(8)، وكان ذلك وفاءً لنذرهِ الذي نذره عندما مرض مرضًا شديدًا(9).


الوصف المعماري:


زار المدرسة الرحالة يغيم ريزفان عام 1315هـ/1898م وذكر أن المدرسة تحتوي على طابق واحد واثنتي عشرة غرفة في منتصفها حديقة(10).


وكان وصفها السابق قبل إزالتها فقد أُزيلت عام 1397هـ/1976م(11)، وانتقلت فيما بعد إلى إحدى العمارات التي اشتراها ناظر المدرسة الشيخ مصطفى صبري الأماسي(12)(ت1404هـ/1984م) في أرض محبت(13)


وقد تطور مبنى المدرسة الجديد عما قبل في الترتيب والتنظيم وتألف من دورين(14) من غير دورها الأرضي، واحتوت على العديد من الغرف رُتبت بحسب أولويات المدرسة التعلمية, فوجد بها غرفة للتدريس وغرفة كبيرة للمكتبة، وكذلك مسجد لأهل المدرسة(15) بالإضافة إلى غرفة جُعلت مطبخًا لطهو طعام أهل المدرسة، بالإضافة إلى دورات المياه(16)، وغرف لكل من الناظر والـمُدرّس وحافظ كتب المدرسة، والطلبة الذين خُصصت لهم ست عشرة غرفة(17).    


وتحوي مكتبة المدرسة على كتب في مختلف العلوم النقلية والعقلية(18)، وقد بلغ عددها في عام 1401هـ/1981م 1441كتابًا(19)، وحينما ضُمت كتبها إلى مكتبة الملك عبد العزيز بلغ عددها 542(20)


ويتضح البون الواسع في عدد كتبها سابقًا، وعندما ضمت إلى المكتبة فيبدو أنها تعرضت للضياع والسرقة بين الفينة والأخرى، بالإضافة إلى تنقلاتها من مبنى لآخر؛ ساهم في فقدان الكثير منها.


أوقاف المدرسة:


أوقف الشيخ فيض الله الهندي أوقافًا على مدرسته التي أنشأها؛ للإنفاق عليها من ريعها فقد أوقف عليها عدة عقارات في المدينة وخارجها منها عشرة دور ودكان واحد(21).


كما أُوقفت عليها الكثير من الدور في مختلف أنحاء المدينة من قِبل سكان المدينة رجالًا ونساءً, واشترط واقفوها أن يكون ريعها لهم في حياتهم، ثم إلى أفراد من عائلتهم، ثم إلى مدرسة الشفاء وسكانها(22).  

   
ونستنتج مما سبق أن الأوقاف الكثيرة التي وُقفت للمدرسة؛ أسهمت في استمرارها لقرونٍ عدة أدت من خلالها المدرسة رسالتها العلمية.


مخصصات المدرسة:  


أول ما بدأ بهِ واقف المدرسة الشيخ فيض الله الهندي في غلة أوقافه، هو تعمير تلك الأوقاف وترميمها؛ حتى لا ينضب ريعها للمدرسة التي أوقفها، وخصص من هذا الريع مصرفات تُصرف سنويًا على سكان المدرسة، وخصص للناظر منها 300 قرش؛ لأجل عمارة المدرسة عند الحاجة(23)، وجعل للطلبة مجيدية(24) واحدة شهريًا(25)


أوقات الدراسة:


يبدأ إعطاء الدروس العلمية بعد العصر، ومُعظم ما يبدأون بهِ في أيام الأسبوع هو القرآن الكريم تلاوةً وحفظًا، ويستمر إعطاء الدروس إلى بعد العشاء، ولكن لم يكن طيلة أيام الأسبوع بل كان ذلك في يومين منه، هما الإثنين والخميس، وباقي الأيام تبدأ الدراسة من بعد العصر، ثم تُستأنف بعد العِشاء، وهكذا بقية أيام الأسبوع، وكانت عطلة المدرسة الأسبوعية في يوم الجمعة حُيث لم تكن في هذا اليوم دِراسة(26).


مواد الدراسة:


تعددت العلوم التي كانت تُدرس في مدرسة الشفاء من علوم دينية وعربية تُعطى للطلاب في مختلف أيام الأسبوع. 
وقد كان جدول دراسة الطلاب يبدأ من بعد العصر، ثم تُستأنف الدراسة بعد العِشاء، وفي يومي الإثنين والخميس تُعطى لهم محاضرة بعد المغرب
(27).


وكان نظام التدريس في المدرسة يعتمد على إعطاء الطلبة دروسا علمية في ثلاث مواد متنوعة أهمُها القرآن الكريم، والحديث الشريف، وقد كانت أولى المواد التي تُدرس من يوم السبت وحتى الثلاثاء، القرآن الكريم، ومن الثلاثاء حتى الخميس تُعطى مادة الحديث النبوي الشريف هذا بالإضافة إلى مادتين كانت تُعطى معهما(28).


وباقي المواد انبثقت من العلوم الدينية كأصول الفقه والفرائض، علاوة على العلوم العربية كالنحو والإملاء والخط(29).


ونلاحظ من خلال ما سبق التنوع التعليمي في المواد التي تُدرس في مدرسة الشفاء، وهذا الأمر أسهم إيجابيًا في تخريج جيل مُتعلم، يُعلم من بعده في أهم علمين من العلوم النقلية.


طلاب المدرسة:


كان أحد طلاب المدرسة الرحالة عبد الرشيد إبراهيم(30) الذي جاء إلى المدينة عام 1324هـ/1907م مع طلاب آخرين لإكمال تحصيلهم العلمي، ومن المدارس التي درس بها هو وزملاؤهُ مدرسة الشفاء، فقد قال عنها: "انتقلت إلى مدرسة الشفاء، وكانت غرفتي فيها نظيفة وصحية، وكان معي زملاء لي"(31).
ونستنتج أن للمدرسة روادا من خارج المدينة يأتون إليها طلبًا للعلم والاستزادة فيه.      


المدرسة في القرن الرابع عشر(الألفين الميلادية):


 ظلت المدرسة تؤدي وظائفها التعليمية حتى أُزيلت عام 1397هـ/1976م، وذلك بعد الحريق الذي نشب في سوق القمّاشة(32) المجاور لها(33)، واهتمت الدولة آنذاك بهذهِ الحادثة حيثُ شكلت لجنة لتعويض أصحاب الدكاكين والدور عن خسائرهم؛ جراء هذا الحريق(34)، وكان من ضمنها مدرسة الشفاء، فقد عُوض ناظرها بمبلغ قدره ستة عشر مليونا وثمانمائة وثلاثة وثلاثين ألفًا وأربعمائة ريالٍ(35)، وانتقلت – بعد ذلك-  إلى إحدى العمائر التي اشتراها ناظر المدرسة الشيخ مصطفى صبري الأماسي(36) في أرض محبت(37)، واستمرت المدرسة بعد ذلك تؤدي وظائفها التعليمية حتى أُزيلت ضمن مشروع تطوير المنطقة المحيطة بالمسجد النبوي(38)، وتم تعويض الناظر بمبلغ قدره أربعمائة وأربعة عشرَ ألفًا ومائة وأربعون ريالًا، وذلك في 2/4/1410هـ -1/11/1989م(39)


وانتقلت المدرسة بعد ذلك إلى شمالي المدينة في طريق العيون(40)، وأُزيلت فيما بعد من قِبل البلدية، وعُوض ناظر.. الوقف بمبلغ قدره أربعمائة وتسعة وتسعون ألفًا وستمائة وثمانية وتسعون ريالًا في 27/8/ 1427هـ - 20/9/2006م(41).


أمّا ما يتعلق بكتب مكتبة المدرسة فقد تعرضت للإهمال، وقام ناظرها بتسليمها لمكتبة الملك عبد العزيز– رحمه الله – وخضعت كتبها بعد ذلك للصيانة(42) والرعاية(43).    


صورة رقم (1)


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خريطة تُوضح موقع مدرسة الشفاء بالنسبة للمسجد النبوي(44).

 

صورة رقم (2) 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صورة للجزء المخصص لمكتبة مدرسة الشفاء بعد أن ضمت لمكتبة الملك عبد العزيز(45).

 

صورة رقم (3)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

صورة لبعض مخطوطات مكتبة مدرسة الشفاء، بعد أن ضمت إلى مكتبة الملك عبد العزيز, وقد حُفظت داخل دواليب من الخشب(46).


(1) يُينظر: صورة رقم (13).
(2) الحصين: دور الوقف في تأسيس المدارس والأربطة: (381).
(3) الخياري: صور من الحياة الاجتماعية: (124)؛ التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (38). 
(4) حجار: المدارس الوقفية في المدينة المنورة: (113).
(5) عبد الباسط بدر: التاريخ الشامل للمدينة المنورة، ج3: (93)؛ كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (525)؛ التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (38).
(6) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (110)؛ بيومي: الحركة العلمية في المدينة المنورة: (55).
(7) حجار: المدارس الوقفية في المدينة المنورة: (113).
(8) بيومي: الحركة العلمية في المدينة المنورة: (55).
(9) حجار: المدارس الوقفية في المدينة المنورة: (113).
(10) الحج قبل مائة سنة: (87).
(11) التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (38).
(12) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(13) صك شراء قطعة أرض لوقف مدرسة الشفاء، رقم 364، محكمة: كتابة العدل، المدينة المنورة، 4/3/1376هـ.  
(14) صك شراء قطعة أرض لوقف مدرسة الشفاء، رقم 364، محكمة: كتابة العدل، المدينة المنورة، 4/3/1376هـ.  
(15) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(16) صك شراء قطعة أرض لوقف مدرسة الشفاء، رقم 364، محكمة: كتابة العدل، المدينة المنورة، 4/3/1376هـ.  
(17) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(18) العلوم النقلية هي التي لا مجال فيها للعقل، وتنبثق في العلوم الشرعية والعربية كالقرآن الكريم والحديث، والفقه، والتفسير، وعلم النحو والبيان، والصنف الآخر هو العلوم العقلية التي يُعمل فيها العقل والفكر، وهي علوم فلسفية تنبثق في الطب، والهندسة، والنجوم والحِساب وعلمي الفلك والمنطق. (ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، ج1: (549, 550, 629-631, 633).    
(19) التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (39).
(20) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (444).
(21) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(22) لمعرفة المزيد حول أسماء الواقفين وأماكن وقفها بالمدينة ينظر: (الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (111- 114)).
(23) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (114).
(24) نوع من النقود الفضية المضروبة في عهد السلطان عبد المجيد بن محمود الثاني (1255-1278هـ/1839-1861م) فقد ضُربت عام 1260هـ/1844م بعد صدور قرار تصحيح المسكوكات العثمانية، كما سُك من خلال القرار ذاته فئة العشرة قروش، وتسمى نصف مجيدي والخمسة قروش ربع مجيدي، وتساوي المجيدية عشرين قرشًا. (سهيل صابان: المعجم الموسوعي للمصطلحات العثمانية, ص202,203؛ الحريري: النقود المتدوالة في الدولة العثمانية: (107, 108).   (25) يغيم ريزفان: الحج قبل مائة سنة: (87).
(26) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (116)؛ التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (40, 41).
(27) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (116)التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (40, 41).
(28) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة: (116)؛ التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (40, 41).
(29) الصديقي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة، ص116؛ التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (40, 41).
(30) عبد الرشيد إبراهيم، وُلد في تارا بسيبيريا عام 1262هـ/1846م تلقّى تعليمه في بلده، ثم رحل إلى الحجاز، وأخذ فيها زهاء عشرين سنة، ينهل العلم من علماء الحرمين الأجلّاء، وتعدّدت رحلاته إلى بلدان مختلفة لنشر الإسلام؛ فهو أول من أدخل الإسلام إلى اليابان، وأنشأ فيها جامع طوكيو، وقام بتدوين رحلاته، وأشهرها التي وصلت إلينا مترجمة من اللغة التركية إلى العربية: حياتي أولى رحلاته إلى الحجاز، والعالم الإسلامي في رحلات عبد الرشيد إبراهيم. (البيومي: النهضة الإسلامية في سِير أعلامها المعاصرين: (46-48)؛ القحطاني: نصوص من رحلة عبد الرشيد إبراهيم: (18، 21، 23).
(31) حياتي: (141، 151).
(32) يسمى أيضًا سويقة أو الحدرة يقع غرب المسجد النبوي، وهو من الأسواق الأثرية القديمة جدًا بالمدينة المنورة التي غصت بالمشاة والمتسوقين؛ لاصطفاف الدكاكين على ضفتيه بدءًا من ميدان باب السلام، وحتى نهاية الباب المصري، ويتاجر أصحابها بالأقمشة والذهب والعِطارة وغيرها، وكان غالب عليها تجارة الأقمشة. (الخياري: صور من الحياة الاجتماعية بالمدينة المنورة: (29، 30، 36)؛ كعكي: المجموعة المصورة لأشهر معالم المدينة المنورة، ج3: (514، 599).    
(33) التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (38).
(34) علي حافظ: فصول من تاريخ المدينة المنورة: (348).
(35) التونسي: المكتبات العامة بالمدينة المنورة: (38).
(36) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(37) صك شراء قطعة أرض لوقف مدرسة الشفاء، رقم 364، محكمة: كتابة العدل، المدينة المنورة، 4/3/1376هـ.  
(38) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (526).
(39) صك شراء قطعة أرض لوقف مدرسة الشفاء, رقم 364، محكمة: كتابة العدل، المدينة المنورة، 4/3/1376هـ.  
(40) يقع هذا الطريق في الجهة الشمالية من المدينة المنورة مائل نحو الغرب قليلًا وتشتهر المنطقة التي على هذا الطريق بالزراعة، وهو أحد أحياء المدينة اليوم. ( كعكي: المجموعة المصورة لأشهر معالم المدينة المنورة، ج3: (539)).  
(41) صك شراء وعمارة لوقف مدرسة الشفاء, عدد1816، كتابة عدل المدينة المنورة، 22/10/1395هـ.
(42) يُنظر: صورة رقم(14)، (15).
(43) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (445، 527).
(44) خريطة من مركز بحوث ودارسات المدينة.
(45) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (444).
(46) كعكي: معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ، ج6، مج1: (447).

 

كود لاظهار الخريطه

qrcode

روابط ذات صلة


صور المعلم

qrcode