جبل سلع


الإسم والموقع:


سلع: بفتح أوله وتسكين اللام، ثم عين مهملة، ويسمى أيضاً جبل ثواب، يقع في الناحية الشمالية الغربية من المدينة المنورة، ويبعد عن المسجد النبوي الشريف 700م، وعن جبل ذباب 120م.


يرتفع عن منسوب الأرض المجاورة له 80م، ويبلغ طوله 1000م، وأقصى عرض له نحو 850م.


الوصف:


وهو عبارة عن كتلة صخرية ضخمة ذات شكل غير منتظم، يشبه في شكله الأخطبوط، ومعظم صخوره جرانيتية قديمة بدرجة كبيرة، حيث يسهل جرف رسوبياتها ونقل حبيباتها غير المتماسكة بسهولة؛ نظراً لتعرضها للتجوية الميكانيكية.


ويتكون من أربعة شعاب رئيسية، وسفحين شرقي وغربي، وعند سفحه الغربي كانت أحداث غزوة الخندق.


السكان:


ولقرب هذا الجبل من المسجد النبوي، فقد لجأت إليه بعض القبائل مثل قبيلة جهينة وبلي، وبني أشجع فسكنت في الجهة الجنوبية منه، كما كانت تسكن بالقرب منه قبيلة بني سلمة وهم: بنو حرام، وبنو عدي، وبنو عبيد، وبنو سواد، وتقع منازلهم ما بين وادي العقيق وجبل سلع.


المكانة التاريخية:


لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على استخدام جبل سلع كقلعة حصينة محمية بخندق يصعب اجتيازه، ويمثل كل واحد منهما خط دفاع عن المدينة المنورة.


جاء في المصادر التي تحدثت عن غزوة الخندق أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب فرسًا له ومعه نفر من أصحابه من المهاجرين والأنصار، فارتاد موضعًا ينزله، فكان أعجب المنازل إليه أن يجعل سلعًا خلف ظهره، ويخندق من المذاذ إلى ذباب إلى راتج، فعمل يومئذ في الخندق، وندب النّاس، فخبّرهم بدنوّ عدوّهم، وعسكرهم إلى سفح سلع(1).

 

وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فرغ من حفر الخندق نزل دبر سلع، فجعله خلفه والخندق أمامه، وكان عسكره هناك، وضرب قبة من أدم، وكانت القبة عند المسجد الأعلى الذي بأصل الجبل(2).

 

ويقول ابن إسحاق: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع، فضرب هنالك عسكره، والخندق بينه وبين القوم(3).

 

والمطلع على المكان الذي اتخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم مركزاً للقيادة في مسجد الفتح حالياً يجده يتمتع بميزة استراتيجية، وهي أنه يطل على أكبر قدر ممكن من الخندق، ويمكن أن يكشف كل أجزاء منطقة القتال أمام الخندق، كما يمكن رؤية جيش الأحزاب وتحركاته بالعين المجردة.


كما اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم من أحد كهوف هذا الجبل مكاناً للمبيت فيه، فعن طلحة بن حراش قال: كانوا أيام الخندق يخرجون برسول الله صلى الله عليه وسلم, ويخافون البيات، فيدخلونه كهف بني حرام، فيبيت فيه، حتى إذا أصبح هبط.

 

لقد وفر هذان المكانان من جبل سلع الحماية الكاملة لقيادة جيش المسلمين ليلاً ونهاراً، كما سهلت سفوح جبل سلع إمكانية المنابلة والمراقبة للعدو، وللمدينة للمنورة من مكان مرتفع.
كما شكّل جبل سلع حاجزاً طبيعياً وسداً منيعاً لحماية ظهر جيش المسلمين من غدر يهود بني قريظة من الخلف، وحمى المسلمين من شدة الرياح الباردة التي عصفت بجيش الأحزاب فكان لهم ملاذاً لتخفيف حدة اندفاع الرياح وبرودتها، خاصة عندما يدخلون بين شعابه ومساراته.


كما مثّل الجبل عمقاً استراتيجياً للمسلمين، حيث حفر الخندق أمام جبل سلع وعلى بعد 300م تقريباً، فلقد حرص المسلمون عند حفرهم الخندق ألا يكون بعيداً عن مرمى نبالهم من نقاط تمركزهم على سفوح جبل سلع، وكان يفصل بين الخندق والجبل وادي بطحان، وهذه المسافة أعطت المسلمين حرية الحركة بين سفح الجبل والخندق، وأعطت الرماة فرصة لاصطياد كل من حاول التسلل أو اجتياز الخندق.


كما استعان المسلمون بحجارة جبل سلع في مناكفة الأعداء، وأقاموا ساتراً ترابياً من المواد المحفورة التي استخرجوها من الخندق ليتمترس المدافعون خلفه وجمعوا خلف هذا الساتر أكواماً من الحجارة التي جلبوها من جبل سلع لتعزيز دفاعاتهم.

 

ومن هنا يتجلى لنا مدى ارتباط جبل سلع بغزوة الخندق، فقد كان ملاذاً آمناً وحصناً منيعاً، ومركز مراقبة، ومصدراً مهماً لأحد أنواع الأسلحة المستخدمة، وهي الحجارة.


المعالم والآثار:


يضم جبل سلع عدداً من المعالم التاريخية، والآثار العمرانية، من أهمها:
 
• مساجد الفتح التي تقع على السفح الغربي للجبل، والتي تعتبر المقر الرئيس لقيادة المعركة في غزوة الخندق.
• الغار الذي كان يبيت فيه النبي صلى الله عليه وسلم ليالي الغزوة.
• ثنية الوداع، حيث تقوم على أحد الأطراف الناتئة للجبل من الجهة الشرقية.
• عدد من المباني العسكرية التي كانت تستخدم في العهد التركي والهاشمي لحماية المدينة.

فحري بهذا الجبل أن يبقى صامداً بعيداً عن معاول الهدم، وشاهداً من شواهد التاريخ على أحداث غزوة من أهم الغزوات في تاريخنا الإسلامي.

 


(1) الواقدي، المغازي، مرجع سابق: (2 / 445). الصالحي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض. ط1. (بيروت: دار الكتب العلمية 1414هـ - 1993م) 4/365. وانظر الشكل (9) في ملحق الصور.
(2) الواقدي، المغازي، مرجع سابق: (2 / 454). الصالحي، سبل الهدى والرشاد، مرجع سابق: (4 / 371).
(3) ابن هشام، السيرة النبوية، مرجع سابق: (2 / 220). البيهقي، دلائل النبوة، مرجع سابق: (3 / 428).

كود لاظهار الخريطه

qrcode

روابط ذات صلة


صور المعلم

qrcode