الاسم:
حرة واقم: وتسمى أيضاً (الحرة الشرقية)، ويطلق عليها اللابة(1)، وسميت (واقم) نسبة إلى أطم واقم، وهو من آطام بني عبد الأشهل، أو نسبة لشخص أو جماعة من العماليق نزلوا فيها(2)، وقد يطلق عليها أسماء فرعية أخرى نسبة لحي أو موقع، فيقال عنها مثلاً: حرة بني حارثة، نسبة إلى منازلهم التي هي بالقرب منها، أو حرة زهرة نسبة لموضع فيها، أو حرة بني قريظة، أو حرة بني عبد الأشهل وهكذا(3).
الموقع:
إن تحديد الموقع العام لحرة واقم من جميع جوانبها أمر صعب ولا يمكن الجزم بحدود ثابتة لها وخاصة من الجهتين الجنوبية والشرقية(4)، غير أن العياشي عنده تحديد يُمكن الاستئناس به، وهو أنها تقع في شرق المسجد النبوي الشريف للشمال قليلاً وبدؤها من الجنوب في خط الشارع الممتد من جدار البقيع الشمالي(5)، وأما الشنقيطي فذكر أنها هضبة طويلة ممتدة شرقي المدينة، تبدأ من وادي بطحان، حتى تصل إلى أجم الشيخين عند منازل بني حارثة، وتمثل هذه الحرة النهاية الغربية للحرة الكبرى التي تعرف بحرة رهط، ويزعم بعضهم أن الحرار الممتدة من شرقي البقيع إلى مهد الذهب كلها تسمى حرة واقم، وتقدر هذه المسافة بـ 120ميلاً، وفيها مجموعة تلال، وأراضٍ منبسطة(6).
وصفه ومآله:
تمتاز الحرة بأن جزءاً كبيراً من سطحها مغطى بصخور وحجارة بركانية سوداء نخرة مما يجعلها شديدة الحرارة في الصيف(7) وبسبب هذه الطبيعة، فقد تحولت إلى حاجز طبيعي يحمي المدينة من شرقيها، فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل السير عليها، وذلك لما تميزت به هذه الحرة من كثرة الصخور والحجارة الناتجة من تدفق الحمم البركانية السوداء التي غطتها(8) ولكنها لا تخلو من ممرات ضيقة وقابلة للحراسة، وهي على الرغم من الطبيعة القاسية، إلا إنها أكثر خصوبةً وعمرانًا، من حرة الوبرة، وتمتلك جبال ووديان مهمة، ففي شمالها جبل أحد وفي جنوبها الغربي جبل عَيْر، وتقع فيها عدة وديان أشهرها وادي بطحان ومذينيب ومهزور والعقيق وهي منحدرة من الجنوب إلى الشمال حيث تلتقي عند مجتمع الأسيال من رومة(9).
كما إنها تمتلك كميات كبيرة من المياه مخزنة بداخلها، يمكن الاستفادة منها من خلال حفر الآبار فيها عند الحاجة(10). وبسبب هذه الطبيعة المتنوعة أصبحت من أهم مناطق المدينة، وأكثر تنظيماً وعمراناً فهي اليوم مدينة مزدهرة بالقلل والقصور والحدائق والطرق والميادين والمراكز الحيوية للأمن والصحة والتعليم والأفران والمطاعم والأسواق ومحطات الوقود وقصور الأفراح، و ذلك نتيجة للأمن و الرخاء الذي تنعم به هذه البلاد(11).
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
كانت هذه الحرة موطناً للعديد من القبائل التي نزلت المدينة، فقد سكن على أطرافها عدد من قبائل الأوس والخزرج، منها: قبيلة بني حارثة، وبني ظفر، وبني عبد الشهل، وبني أمية بن زيد، وبني معاوية، وبني خطمة، وغيرهم. كما سكنها بنو قريظة وبنو النضير من اليهود(12)، ولكن الحدث التاريخي الأبرز الذي غيّر مكانة هذه الحرة في المسار التاريخي، ووضعها على خارطة الجغرافية الدينية للأمة الإسلامية، ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم من كونها إحدى اللابتين المحددة لحدود حرم المدينة(13)، غير أن حدثاً تاريخياً ما زال يرتبط بهذه الحرة، ويشكل ألماً وحرقة في نفوس المسلمين، ألا وهو المعركة الدامية التي وقعت عام (63هـ) عندما خلع معظم أهل المدينة بيعة يزيد بن معاوية؛ فأرسل يزيد جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة، وجرت بين الطرفين ملحمة راح ضحيتها خيار التابعين وأبناء الصحابة(14).
ومن ناحية أخرى فقد شهدت هيجان لبركانها مرات عديدة، أولها كان في عهد عمر رضي الله عنه، لما لحقها هو وتيم الداري رضي الله عنه(15). وفي عام (654هـ)، ثار بركان قوي من إحدى تلال هذه الحرة، واستمر قرابة ثلاثة أشهر فازدادت المقذوفات البركانية في المنطقة(16)، وتشهد هذه الحرة توسعاً عمرانياً ملحوظاً في أيامنا هذه وخاصة في شرقيها.
(1) يفرق أهل اللغة بين الحرة واللابة والكراع فيقولون: "الحرار" هي أفواه البراكين؛ ولذلك تكون مستديرة. وأما اللّابة أو اللوبة، فإنها المناطق التي غطتها حمم البراكين، وسالت فوقها، ثم جفت. وأما الكراع، فإنها أعناق الحرار. جواد علي (ت: 1408هـ): المفصل في تاريخ العرب دار الساقي الطبعة: الرابعة 1422هـ/2001م، (146/1).
(2) الفيروز آبادي، مجد الدين أبي الطاهر محمد (ت: 817هـ) المغانم المطابة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1439هـ-2018م، (944/3-945)، السمهودي: وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى, ، تحقيق: قاسم السامرائي، ط1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي, 1422هـ/2001م (58/4).
(3) التمام، غازي بن سالم: رسائل في آثار المدينة، النادي الأدبي بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى1421هـ-2002م، ص85.
(4) كعكي عبد العزيز: معالم المدينة بين العمارة والتاريخ، المعالم الطبيعية الجبال، دار ومكتبة الهلال (464/1).
(5) العياشي، إبراهيم علي (ت: 1400هـ/ 1980م): المدينة بين الماضي والحاضر، د. ط، (د. ن، 1392هـ/1972م)، ص334.
(6) الشنقيطي، محمد غالي (ت: 1409هـ/1988م)، الدر الثمين في معالم دار الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم، د. ط، (قطر: مطابع الدوحة الحديثة، د. ت)، ص138.
(7) جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام 146/1.
(8) كعكي: معالم المدينة، (468/1).
(9) العمري أكرم ضياء: السيرة النبوية الصحيحة، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، الطبعة: السادسة، 1415هـ - 1994م، (227/1).
(10) كعكي: معالم المدينة، (469/1).
(11) الشنقيطي: الدر الثمين، ص129.
(12) العمري: السيرة النبوية، 227/1.
(13) البخاري، صحيح البخاري كتاب البيوع، باب بركة طعام النبي ومدهم، حديث رقم 2129 67/3. مسلم، صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: فضل المدينة، حديث رقم (1362) 113/4.
(14) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، (946/3-947).
(15) أبو نعيم الأصبهاني (430هـ): دلائل النبوة، تحقيق محمد رواس قلعه جي، عبد البر عباس دار النفائس، بيروت الطبعة: الثانية، 1406هـ - 1986م، ص583.
(16) بدر، عبد الباسط، المدينة المنورة في عهد الزنكيين والأيوبيين، ص102.
روابط ذات صلة