الاسم:
تشتهر هذه البئر باسمين، لم يغلب أحدهما على الآخر منذ العهد النبوي وإلى يومنا الحاضر.
الأول: رُوْمَة -بضم الراء وسكون الواو وفتح الميم بعدها هاء- وقيل: رؤْمة -بهمزة ساكنة بعد الراء(1)، ويقال: أرومة(2).
وقد اختلف المؤرخون في نسبة "رومة"، فذُكر أنه رجل من غفار(3) وقيل: نسبةً لامرأة من مزينة(4)، أو أَمَة لهم، أو نسبةً للشعبة -الوادي الصغير- التي هي طرفها تدعى رومة(5).
الثاني: بئر عثمان بن عفان رضي الله عنه، الصحابي الجليل ثالث الخلفاء الراشدين، وسميت باسمه؛ لأنه هو الذي اشتراها وأوقفها على المسلمين، ويقال: إنه أول وقف في الإسلام(6).
الموقع:
تقع البئر في عرصة العقيق الكبرى شمالي غربي المدينة، قرب مجرى وادي العقيق من جهة الشرق، وفي الجهة الشمالية لمسجد القبلتين(7)، في براح واسع من الأرض، قبلي منطقة الجرف المعروفة إلى اليوم، تبعد عن المسجد النبوي حوالي خمسة كيلو مترات.
وصفه ومآله:
تُوصف البئر بأنها مطوية بحجارة الحرة السوداء، يبلغ قطرها أربعة أمتار، وعمقها اثنا عشر متراً، وكان ابن النجار قد قدم وصفاً لها فقال: "مبنية بالحجارة الموجهة، وذرعتُها فكان طولها ثمانية عشر ذراعًا، منها ذراعان ماء، وباقيها مطموم بالرمل الذي تسفيه الرياح فيها، وعرضها ثمانية أذرع، وماؤها صاف، وطعمها حلو، إلا أن الأجون قد غلب عليه"(8).
وقد أصبحت هذه البئر معطلة، مع غزارة الماء في بقعتها، حيث حفرت بئر بجانبها لسقاية بستانها في العصر الحديث(9)، وهي تحت يد أوقاف المسجد النبوي وأجرتها على وزارة الزراعة مدة طويلة(10).
الأحداث التاريخية المرتبطة به:
تُعد هذه البئر من الآبار الجاهلية القديمة، حتى أنه قيل: بأن تُبَّعاً لما قدم المدينة شرب من مائها(11)، وتشير الروايات –أيضاً- أن البئر قد هُجرت وانطمت مع مرور الأزمان، ثم جاء قوم من مزينة، فأصلحوها وعمروها(12)، ولعلها استمرت في أيديهم حتى جاء عصر النبوة وهاجر المسلمون إلى المدينة، فكانت من أعذب الآبار في المدينة ومن أجل ذلك شجع النبي صلى الله عليه وسلم على وقفها على المسلمين، فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه بأربعمائة دينار، فتصدق بها(13).
واستمرت البئر بعد العصر النبوي تفيض بعطائها قروناً مديدة، إلا أن انحسار الأمن في المدينة، وانحصار سكانها داخل سور لا تتجاوز مساحته 3كم مربعاً؛ أثر على عطاء البئر والعناية بها، وهذا ما أشار إليه ابن النجار (ت: 643هـ) بأن هذه البئر اليوم بعيدة عن المدينة جدًا، وهي في براح واسع من الأرض(14)، ولعل هذا ما عجل بخرابها في عصرهم فأشار إلى أنها خربت ونقضت حجارتها، وأخذت، وانطمت ولم يبق منها إلا أثرها(15).
ثم هيأ الله لهذه البئر القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن المحب الطبري قاضي مكة المشرفة، فجددها، ورفع بنيانها عن الأرض نحو نصف قامة، ونزحها، فكثر ماؤها، وكان ذلك في حدود سنة 750هـ(16)، وقد علق عبدالقدوس الأنصاري على ذلك بقوله "ولا نعلم هل عمارتها الحالية هي عمارة هذا القاضي أم كانت بعده"(17)، وهي اليوم مشرفة على الجفاف وماؤها قليل جداً يظهر في قاعها بين الصخور(18).
وعلى الرغم مما حل بها إلا إن هذه البئر ظلت عبر القرون المتتابعة معلماً تاريخياً هاماً، تتابع المؤرخون والمحدثون على ذكرها والحديث عنها.
(1) السمهودي، نور الدين علي (ت: 911هـ/1505م): وفاء الوفاء، (مطبعة الآداب والمؤيد مصر د. ط، 1326هـ)، (440/2)، الصالحي، محمد بن يوسف(المتوفى: 942هـ): سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض دار الكتب العلمية بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1414هـ - 1993م (227/7).
(2) ابن الفقيه أحمد بن محمد (ت: 365): البلدان، تحقيق يوسف الهادي، عالم الكتب، بيروت، الطبعة الأولى، 1416هـ-1996م، ص82.
(3) الهمداني محمد بن موسى (ت: 584هـ): الأماكن أو ما اتفق لفظه وافترق مسماه من الأماكن تحقيق حمد بن محمد الجاسر دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر 1415هـ، ص439.
(4) المقريزي، أحمد بن علي (ت: 845هـ): إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1420هـ-1999م، (350/7).
(5) المقريزي: إمتاع الأسماع (350/7).
(6) هناك اختلاف بين الباحثين في أول حبس في الإسلام فمنهم من قال: إنه حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأموال مخيريق اليهودي، ومنهم من قال: إن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أسبق المسلمين لها، وذلك بحبسه بئر رومة. انظر سحر بنت عبد الرحمن مفتي: أثر الوقف الإسلامي في الحياة العلمية بالمدينة المنورة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، 1424هـ/2003م، ص5.
(7) المطري جمال الدين محمد (741هـ): التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة، تحقيق: أ. د سليمان الرحيلي، دارة الملك عبد العزيز، 1426هـ-2005م، ص159الخياري: أحمد ياسين أحمد (ت: 1380هـ): تاريخ معالم المدينة المنورة قديمًا وحديثًا، تعليق عبيد الله محمد آمين كردي، نادي المدينة المنورة الأدبي، المدينة المنورة، 1410هـ/1990م، ص184، الأنصاري: عبد القدوس (1403هـ): آثار المدينة المنورة، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط3، 1393هـ/1973م، ص244، محمد حسن شراب: المدينة النبوية في فجر الإسلام والعصر الراشدي، دار القلم للطباعة، ط1، 1415هـ-1994م، (443/1).
(8) ابن النجار، محمد بن محمود (ت: 643هـ/1245م): أخبار مدينة الرسول المعروف بالدرة الثمينة، تحقيق: صالح محمد جمال، (مكتبة الثقافة، مكة المكرمة ط3، 1401هـ/1981م)، ص181. حول ملكية هذه البئر قبل عثمان رضي الله عنه. راجع السمهودي: وفاء الوفاء، (440-2/442).
(9) محمد حسن شراب: المدينة النبوية، (443/1).
(10) حافظ: علي: فصول من تاريخ المدينة المنورة، شركة المدينة المنورة، جدة، ط3، 1417هـ/1996م، ص192.
(11) الفاسي،محمد بن أحمد (ت: 832هـ): شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ-2000م، (407/2).
(12) حول ملكية هذه البئر قبل عثمان رضي الله عنه. راجع السمهودي: وفاء الوفاء، (440-2/442).
(13) ابن سعد، محمد (ت: 230هـ): الطبقات الكبرى، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1410هـ-1990م، (505/1).
(14) ابن النجار: الدرة الثمينة، ص181.
(15) المطري: التعريف، ص159.
(16) المراغي زين الدين (ت: 816)، تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحيم عسيلان الطبعة الأولى: 1422هـ-2002م، ص297.
(17) الأنصاري: آثار المدينة، ص245.
(18) حافظ: علي: فصول من تاريخ المدينة المنورة، شركة المدينة المنورة، جدة، ط3، 1417هـ/1996م، ص192.
روابط ذات صلة