أطم الضحيان


الاسم:


الضَّحْيَان، بالفتح، وسكون الحاء المهملة، ومُثنَّاة تحتية، وألف ونون، ويُعرف أيضاً بالأطم الأسود(1)، ومعنى الضحيان: الظاهر البارز للشمس من صيغة ضحا(2)، وهو من الآطام العظيمة المشيدة من الحجارة السوداء(3).


بناؤه:


بنى هذا الأطم سيد بني جحجبا وشاعرهم أحيحة بن الجلاح(4)، وهو الذي سماه بهذا الاسم، وبناه بأرضه فكان عرضه قريباً من طوله، بناه أولاً من بثرة بيضاء فسقط، -يعني: من حجارة الحرار البيض- وكان يُرى من المكان البعيد(5)، وهو جاهلي البناء كأغلب آطام المدينة(6).


موقع الأطم:


يقع أطم الضحيان في منطقة العُصبة(7)، غربي مسجد قباء(8)، وهو واقع تحديداً بالعرصة الكائنة غربي بئر شُمَيلة وشمالي العصبة(9) ويبعد عنه مسافة 450م تقريباً، كما يبعد عن الطريق السريع (طريق الهجرة) مسافة 150م، وموقعه بالقرب من مزرعة الشيخ خالد محمد النزهة، في مرتفع الحرة، ويمكن الوصول إليه من داخل المزرعة المشار إليها.

بنيت حوائطه ودعائمه بحجارة الحرة السوداء، وساهم موقعه على طرف الحرة في بروزه بهيئة عظيمة، وظهوره من كافة أرجاء المنطقة، وخاصة من جهة وادي الرانوناء.


وصفه ومآله:


لا تذكر المصادر التاريخية القديمة تفاصيل معمارية عن بناء هذا الحصن، إلا ما ذكر عن بعض المؤرخين ومنهم الأصفهاني (ت: 356هـ) الذي يُخبر بأنه بني "بحجارة سود وبنى عليه نبرة بيضاء مثل الفضة ثم جعل عليها مثلها يراها الراكب"(10) من مسيرة يوم أو نحوه(11)، أما السمهودي (ت: 911هـ) فيذكر أن أحيحة بنى الأطم أولاً من حجارة الحرار البيض فسقط، فأعاد بناءه بحجار الحرة السوداء، وسمي بالأطم الأسود، وكان عرضه قريباً من طوله، يُرى من المكان البعيد(12)، وقد تتابع المؤرخون -خاصةً المتأخرون- في نقل صورة هذا الأطم وما لحقه عبر السنين، فالعباسي (ت: القرن العاشر الهجري) يذكر بأنه زاره وإلى الآن موجود أثره(13).

وأما العياشي (ت: 1400هـ) فيذكر عنه بأنه "لا يزال أطم الضحيان قائم العين في كامل مبناه، إلا إن العوامل الجوية قد أثرت في ظاهره بعض الشيء، رغم مرور أربعة عشر قرناً عليه، وقد ضمه عبد الحميد بن أحمد طواب إلى مزرعته، وبابه من الجنوب في مرتفع الحرة من داخل البستان، وعنده بئر جاهلية قديمة تابعة للحصن، وللحصن نفق ينزل إلى البئر"(14).

وأما الأنصاري (1403هـ) فيُعطينا مقاسات للحصن في عصره، فيذكر أن طوله  نحو 27م، وعرضه 12م، وارتفاعه نحو 8 أمتار،  وقد تساقط قسمه الجنوبي حتى كاد ينمحي أثره، أما القسم الشمالي منه فلا يزال متماسكاً عالياً برغم تناثر كثير من حجارته العلوية، ولضخامته لم يظهر أثر كبير لهذا التناثر"(15).

و ما زال هذا الحصن يتعرض للهدم نتيجةً للزحف العمراني، وقيام المخططات السكنية في منطقته، إلى أن أُزيل بالكامل، ولم يتبق منه سوى الربوة التي بني عليها، وأجزاء قليلة من قاعدته وأساساته، ولا تزال البئر التي بجواره قائمة إلى اليوم(16). وفي العموم فإن كل ما نقل إلينا إنما هو من مشاهدات مؤرخين عايشوا الحالة التي وصل إليها الحصن في زمانهم، إلى أن زال أكثر بنيانه.


الأحداث التاريخية المرتبطة به:


مما لا شك فيه أن هذا المعلم التاريخي كان له ارتباط بأحداث تاريخية مهمة أسهمت في إظهاره وتناقل أخباره بين المؤرخين، فكانت بداية تلك الأحداث عند انتقال بني جحجبا إلى الموقع الذي بني فيه، وهذا ما تذكره المصادر من أن بني جحجبا كانوا يساكنون بني عمرو بن عوف في منطقة قباء، وهم من أبناء عمومتهم، وكان لهم فيها عدد من الآطام، منها: (واقم) و (الهجيم) و (المستظل) وغيرها، ثم نشب صراع بين القبيلتين راح ضحيته رجلين من بني عمرو بن عوف هما: رفاعة بن زنبر وغنم بن زنبر، فاضطرت بنو جحجبا إلى النزوح عن منازلهم(17)، وانتقلوا إلى منطقةٍ غربي قباء، ليست ببعيدة عنها، تسمى العُصبة، وفيها بنى سيد بني جحجبا هذا الأطم، وسماه الضحيان(18)؛ وذلك ليكون أحد وسائل الحماية التي يتخذها أهل كل منطقة في تلك الفترة، وقد وصف الأصفهاني دور هذا الأطم في الأحداث التاريخية بقوله: وكان أحيحة إذا أمسى جلس بحذاء حصنه الضحيان، ثم أرسل كلاباً له تنبح دونه على من يأتيه ممن لا يعرف؛ حذراً أن يأتيه عدو يصيب منه غرة، فأقبل عاصم بن عمرو يريده في مجلسه ذلك؛ ليقتله بأخيه، وقد أخذ معه تمراً فلما نبحته الكلاب حين دنا منه ألقى لها التمر فوقفت فلما رآها أحيحة قد سكنت حَذِرَ فقام فدخل حصنه، ورماه عاصم بسهم فأحرزه منه الباب فوقع السهم بالباب فلما سمع أحيحة وقع السهم صرخ في قومه فخرج عاصم بن عمرو فأعجزهم حتى أتى قومه(19).

ونظراً لأهمية هذه الآطام في الحماية فقد حرصوا على إخفاء مواطن الضعف فيها لتبقى حصناً منيعاً لا يمكن الولوج إليه، ومن ذلك أن أحيحة لما بنى الضحيان هو وغلام له، قال: لقد بنيت حصناً حصيناً ما بنى مثله رجل من العرب أمنع منه، ولقد عرفت موضع حجر منه لو نزع وقع جميعاً. فقال غلامه: أنا أعرفه. قال: فأرنيه يا بني؟ قال: هو ذا، وصرف إليه رأسه. فلما رأى أحيحة أنه قد عرفه دفعه من رأس الأطم، فوقع على رأسه فمات(20).

ولهذا كان لهذه الآطام دور بارز في حماية صاحبها أحيحة بن الجلاح وقومه في العديد من الأحداث التي دارت بينهم وبين أعدائهم، فقد أورد ابن الأثير قصة حرب وقعت بين بني جحجبا من الأوس وبين بني مازن من الخزرج، وسببها: أن كعب بن عمرو المازني تزوج امرأة من بني سالم فكان يختلف إليها، فأمر أحيحة بن الجلاح جماعة فرصدوه حتى ظفروا به فقتلوه، فبلغ ذلك أخاه عاصم بن عمرو فأمر قومه فاستعدوا للقتال وأرسل إلى بني جحجبا يؤذنهم بالحرب فالتقوا بالرحابة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فانهزمت بنو جحجبا ومن معهم، وانهزم معهم أحيحة، فطلبه عاصم بن عمرو فأدركه وقد دخل حصنه، فرماه بسهم فوقع في باب الحصن ولم يصبه، فقتل عاصم أخاً لأحيحة، فمكثوا بعد ذلك ليالي، فبلغ أحيحة أن عاصماً يتطلبه ليجد له غرة فيقتله(21)، وبذلك يتبين لنا أن لهذا الأطم دور بارز ومهم في الأحداث التاريخية للمدينة المنورة، إذ إنه ظل محافظاً على الدور الذي بُني لأجله.

 

 


(1) الفيروز آبادي، مجد الدين أبي الطاهر محمد (ت: 817هـ) المغانم المطابة، مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، الطبعة الثانية 1439هـ-2018م، 1140/3.

(2) الحموي شهاب الدين ياقوت (ت: 626هـ)، دار صادر، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1995م، 454/3.

(3) الأنصاري، عبد القدوس، آثار المدينة المنورة، المكتبة السلفية بالمدية المنورة الطبعة الثالثة 1393هـ-1973م، ص72.

(4) أبو عمرو: أحيحة بن الجلاح بن الحريش الأوسي، من شعراء الجاهلية، ومن دهاة العرب وشجعانهم، اشتهر بامتهانه للربا، وعرف بأنه من سادات الأوس في الجاهلية. انظر أبي الفرج علي بن الحسين الأصفهاني (ت: 356هـ)، الأغاني، تحقيق: سمير جابر، دار الفكر – بيروت الطبعة: الثانية 36-15/48، جواد علي (ت: 1408هـ): المفصل في تاريخ العرب دار الساقي الطبعة: الرابعة 1422هـ/2001م، 136/7.

(5) الفيروز آبادي: المغانم المطابة، 1141/3، السمهودي، علي بن عبد الله أبو الحسن (ت: 911هـ): وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق قاسم السامرائي، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الطبعة الأولى 1422هـ/2002م، 348/1.

(6) الأنصاري: آثار المدينة، ص73.

(7) العُصبة بإسكان الصاد المهملة، واختلف في أوله فقيل: بالضم، وقيل: بالفتح، وضبطه بعضهم بفتح العين والصاد معا، ويروى المعصّب كمحمد، منزل بني جحجبي، وهي على ما يفهم من أقوال مؤرخي المدينة جميع البساتين الواقعة غربي مسجد قباء التي يفيض فيها وادي رانوناء. انظر السمهودي: وفاء الوفاء، 389/4، الأنصاري: آثار المدينة، ص73.

(8) المطري جمال الدين محمد (741هـ): التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة، تحقيق: أ. د سليمان الرحيلي، دارة الملك عبد العزيز، 1426هـ-2005م، ص217، الفيروز آبادي، المغانم المطابة، 1141/3، السمهودي: وفاء الوفاء، 348/1.

(9) الأنصاري: آثار المدينة، ص73.

(10) وكأن مهمة الحصن لم تعد الحماية فقط، وإنما اتخذت كمنارة يستدل بها التائه كمنارة السفن عند الشواطئ، وهذا يُعد تطوراً مهماً في مقصدهم من هذه الحصون.

(11) الأصفهاني: الأغاني، 46/15.

(12) الفيروز آبادي، المغانم المطابة، 1141/3، السمهودي، وفاء الوفا، 154/1، جواد علي المصل في تاريخ العرب 288/18، الأنصاري: آثار المدينة، ص72.

(13) العباسي، أحمد بن عبد الحميد (المتوفي في القرن العاشر الهجري): عمدة الأخبار في مدينة المختار صححه وحرر ألفاظه: محمد الطيّب الأنصاري وقام بتصحيحه: حمد الجاسم، توزيع المكتبة العِلميَّة - المدَينة المُنورّة الطبعة: الخامسة، ص357.

(14) العياشي، إبراهيم بن علي : المدينة بين الماضي والحاضر، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ت: ط1392هـ-1972م، ص294.

(15) الأنصاري، عبد القدوس، آثار المدينة المنورة، ص72.

(16) الكعكي عبد العزيز، معالم المدينة بين العمارة والتاريخ 142/1، 253. التمام، غازي بن سالم، رسائل في آثار المدينة، النادي الأدبي بالمدينة المنورة، الطبعة الأولى 1421هـ-2002م،  ص52.

(17) ومما يؤيد وقوع هذه الحادثة ما ورد من أن سعد بن عمرو الجحجبي قال لبشر بن السائب: تدري لم سكنا العصبة؟ قال: لا، قال: لأنا قتلنا قتيلاً منكم في الجاهلية. انظر الفيرو آبادي، المغانم المطابة، 1206/1، السمهودي، وفاء الوفا، 348/1.

(18) الفيروز آبادي، المغانم المطابة، 1141/3، السمهودي: وفاء الوفاء، 348/1.

(19) الأصفهاني: الأغاني، 47/15.

(20) البغدادي، المنمق في أخبار قريش، ص278، جواد علي، المفصل في تاريخ العرب 288/18.

(21) ابن الأثير، أبو الحسن علي (ت: 630هـ) الكامل في التاريخ، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1417هـ/1997م، 519/1.

كود لاظهار الخريطه

qrcode

روابط ذات صلة


صور المعلم